التفجير الإرهابي» في دمشق أول من أمس أعاد السوريين عشرات السنين إلى الوراء، وطرح تساؤلات عديدة عن الجهات التي تقف خلفه، والرسالة التي حملها، وسط اتّهام شبه رسمي لجهات «خارج الحدود» بتصدير الإرهاب إلى الداخل
دمشق ـ سعاد مكرم
لم تمضِ أيام على اتهام الرئيس الأميركي جورج بوش لسوريا بتغذية الإرهاب، حتى وقعت دمشق ضحية لاعتداء إرهابي بسيارة مفخّخة بـ200 كيلوغرام من المتفجرات كانت كفيلة بإيقاظ عاصمة الأمويين أول من أمس على مشهد دامٍ، لم تعتده منذ ثمانينات القرن الماضي.
الانفجار وقع في شارع المتحلّق الجنوبي قرب طريق المطار عند مفرق منطقة السيدة زينب، عند الساعة السابعة وخمس وأربعين دقيقة، وأسفر عن مقتل 17 شخصاً وجرح 14 آخرين جميعهم من المدنيين، بحسب المصادر الرسمية.
الشارع السوري لم يصدمه الخبر كثيراً رغم ما سبّبه من حالة حزن وأسف؛ فالسوريون صاروا يتوقعون، منذ احتلال العراق، انتقال التفجيرات إلى أراضيهم. لكن السؤال المحيّر والأبرز كان الهدف الذي قصدته هذه العملية الإرهابية في منطقة تعدّ شارعاً عاماً مكتظاً بالسيارات لكونه صلة الوصل بين ريف دمشق الجنوبي (منطقة سكنية شعبية تتركز فيها معامل وورش صناعية صغيرة وفعاليات اقتصادية) وبين المدينة العاصمة.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت العملية الإرهابية قد حققت هدفها أم أنها أخطأت، وخصوصاً أن الجهات الرسمية السورية رفضت توجيه الاتهام إلى جهة معينة؛ فالمركز الأمني الوحيد الموجود قرب موقع الانفجار لم يتضرّر. ولا يوجد في المنطقة غيره من مؤسسات النظام، هذا إذا كانت العملية تستهدف توجيه ضربة موجعة إليه. حتى المدرسة والمعهد اللذان أصيبا بأضرار مادية لم يكونا، على ما يبدو، هدف الرسالة الإرهابية، التي جاءت في يوم عطلة دراسيّة. الضرر الأكبر كان من نصيب المدنيين الذاهبين إلى أعمالهم.
وقد اكتفى وزير الداخلية السوري، اللواء بسام عبد المجيد، بوصف الانفجار بـ «عملية إرهابية». وقال «لا نستطيع أن نشير إلى جهة معينة لكن التحقيقات ستوصلنا للفاعلين»، موضحاً أن السلطات الأمنية «بصدد التحقيق وتقوم به الآن وحدة مكافحة الإرهاب لإيجاد الفاعلين».
بدوره، رفض وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، خلال وجوده في نيويورك، توجيه الاتهامات المسبقة لمن يقف خلف الانفجار. وقال إن «التحقيق جارٍ لمعرفة من يقف وراءه»، معتبراً أن وقوعه لا يعني وجود خروق أمنية في سوريا، لأن «الإرهاب أصبح أكثر انتشاراً منذ الحرب الأميركية عليه».
وفور وقوع الانفجار، ضُرب طوق أمني واسع حول المنطقة التي مُنع الدخول والخروج منها، كما منع الإعلام من الاقتراب من الموقع. وكان التلفزيون السوري الوحيد الذي بثّ صوراً من مكان الحدث بعد نحو ثلاث ساعات. ولوحظ أن المساكن المحيطة بموقع التفجير على بعد 200 متر قد تضررت، حيث تحطم زجاج النوافذ والواجهات. وقال شهود عيان من المنطقة، لـ «الأخبار»، إن عمليات الترميم في مبنى المدرسة والمعهد بوشرت فوراً، وجرى فك الطوق الأمني وسُمح بعبور السيارات بعد نحو ست ساعات من الانفجار.
وعرض التلفزيون السوري لقطات أظهرت سيارات عديدة زجاجها مهشّم في منطقة سكنية، وحفرة كبيرة مملوءة بالماء في موقع الانفجار. وقال أحد شهود العيان «غطى الدخان المباني القريبة. هرعت إلى الشارع ووجدت سيارة تشتعل دخاناً وناراً». وقال شاهد آخر إن بعض الناس في البداية ظنّوا أنه زلزال عندما شعروا بقوة الانفجار.
ورأى عبد الرحمن، الذي يقطن في المنطقة، لوكالة «فرانس برس»، إن «الانفجار الإرهابي استهدف أحد الفروع الأمنية». وأضاف إن «الانفجار ليس من صنع أفراد بل من صنع دول متأثرة بما تقوم به سوريا من مكافحة للإرهاب». وتابع مستنكراً إنها «هدية في ليلة القدر لأبناء المسلمين».
وذكر أحد المواطنين، رافضاً ذكر اسمه، أن قريباً له هو عميد في الجيش العربي السوري وابنه صودف مرورهما في المكان قتلا في الانفجار. وقال شاهد آخر، عبر شاشة التلفزيون السوري، إن قوة الانفجار أسقطته من سريره. وأضاف «أشكر الله أن المدارس والإدارات مقفلة اليوم (السبت) وإلا لحصلت مجزرة حقيقية».
وذكّرت هذه العملية السوريين بأيام المواجهات العنيفة أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينات القرن الماضي مع جماعة «الإخوان المسلمين»؛ فهي العملية الأعنف خلال السنوات الأخيرة من حيث عدد الضحايا.
جريدة «الثورة» الرسمية ذكّرت في افتتاحياتها بتلك الفترة العصيبة، وربطت بين تشديد الرقابة على الحدود وبين ما حدث. وقالت «في معركتنا مع الإرهاب في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، كانت قواعد الإرهاب داخل سوريا»، مشيرة إلى أن «المحاولات الإرهابية هذه الفترة تتّصف غالباً بأنها قادمة من خارج الحدود، تخطيطاً وتنفيذاً، بمعنى أن منفذيها أيضاً عبروا حدودنا إلينا». ورأت أن «حماية الحدود ضرورة لا تقبل أبداً الرد على أي تساؤل عن أي تحرك تقوم به قواتنا الوطنية، مسلحةً أو غير مسلحة، داخل أراضينا لمنع تسرب أي إرهاب بأي شكل كان، بدءاً من التهريب وانتهاءً بأعمال التفجير والتخريب المختلفة».‏
وبدا أن افتتاحيّة «الثورة» جاءت ردّاً غير مباشر على مخاوف وتشكيك بعض الأطراف في لبنان في الأنباء عن حشد سوريا لعشرة آلاف جندي على حدوده الشمالية.
أما صحيفة «البعث» الرسمية فاتهمت، في افتتاحيتها، أميركا من دون تسميتها بأنها «تغذي موجات التطرف في المنطقة، على خلفية استباحة الدولة العراقية، والرهان على دفع لبنان لكي يكون منصة للتآمر على سوريا»، وأنها «في مواجهة حالة إفلاس شاملة في مشروعها السياسي الذي جاهد عبثاً في استخدام الفوضى البنّاءة، ودفع القوى الظلامية لكي تكون رأس الحربة في وجه قوى الممانعة في المنطقة». وتساءلت عما إذا كان ما يحدث اليوم «آخر فصول السيناريو الخفي والمعقّد الذي بدأ باغتيال (الرئيس رفيق) الحريري؟».