التطرف ليس جديداً في إسرائيل، لكنه غالباً ما كان يستهدف العرب ولا يحظى بمتابعة إعلاميّة إسرائيلية، كما هو الحال اليوم بعد وصول الاعتداءات إلى الإسرائيليين أنفسهم
حيفا ــ فراس خطيب
تُشغَل الساحة الإسرائيلية بتنامي «التطرف» اليميني في أعقاب محاولة اغتيال الأكاديمي اليساري زئيف شتيرنهل؛ الصحف العبرية تمنح القضية متسعاً، والمسؤولون يطرقونها بالتصريحات والبيانات، عندما تجاوزت «خطوطها الحمراء». لكنَّ الظاهرة ولجت منذ زمن، قبل التعرض لشتيرنهل، ولا تقتصر فقط على مستوطني الضفة فقط. هي حال آخذة بالتطرف، في داخل المجتمع الإسرائيلي ضد فلسطينيي 48 وتتخذ أشكالاً مختلفة، ليس على صعيد السياسات المحلية فحسب، بل على صعيد المؤسسة الرسمية.
فمن وراء عناوين «التفاوض والتسوية» ومن خلف السياسات المعلنة، تدور في الأفق الإسرائيلي حالة يمينية تتغذى من سياسات إسرائيلة مبطنة، لتتسلل ببطءٍ نحو الشارع.
في أوائل أيلول الجاري، اجتمع عدد من أعضاء المجلس الإقليمي في الجليل حيث حذروا من فقدان الغالبية اليهودية في الجليل والنقب. يعقد هؤلاء اجتماعاتٍ يمنحها الإعلام الإسرائيلي أولوية. يتحدث فيها كل «فزاعات الديموغرافيا». وهؤلاء الفزاعات ليسوا هامشيين، منهم من يحتل مكانة أكاديمية كبيرة، ومنهم أيضاً من يتمثل في أكثر السلطات تأثيراً في الدولة العبرية. كلهم يحذرون من تفاقم «الظاهرة» (العرب) مطالبين الحكومة بإيجاد «حل».
في تشرين الثاني من هذا العام، ستجري الانتخابات البلدية في إسرائيل. أحزاب إسرائيلية كثيرة تطرح «الحفاظ» على «يهودية المكان»، في برنامجها الانتخابي، ولهذا الاعتبار ثمن يدفعه فلسطينيو 48.
الظواهر تتخذ شكلاً يتلاءم مع المكان. قبل عام ونيّف، شتم رئيس بلدية الرملة (المحتلة)، يوئيل لافي، عرب المدينة عبر أثير الإذاعة لمجرد مطالبتهم بإطلاق أسماء عربية على الشوارع العربية. قال لهم: «من لا تعجبه الحياة فليذهب إلى جلجولية (في المثلث)». رئيس البلدية ليس حالة «هامشية»، هو ابن الحزب الحاكم «كديما»، ويتمتع بشعبية داخل الرملة من دون منازع، ومن المرتقب أن ينتخب مجدّداً ليقود نهجاً علنياً ضد عرب المدينة من دون أن تدينه «حكومة التسويات».
نتائج العنصريّة لا تتأخر، هي موجودة أصلاً، تجلت بأبشع صورها في صيف عام 2005، حين اعتدى الإرهابي ناتان زادة على ركاب الحافلة المتجهة من حيفا إلى مدينة شفاعمرو، وقتل أربعة منهم، قبل أن يُقتل. بعد فترة من الحدث، اعتقل سبعة شبان بتهمة قتل الإرهابي، في وقت يحظى به قاتل منفذ عملية الدهس في القدس (قبل أن يتم الحسم النهائي بأنها عملية مقصودة)، بمكالمة شخصية من قبل قائد هيئة الأركان غابي أشكنازي يحييه على فعلته قائلاً له: «هكذا على الجندي أن يتعامل». هكذا، قاتل منفذ العملية العربي يحظى بالوسام، وقتلة زادة يعتقلون.
حتى في مدينة حيفا، التي يصفها رئيس البلدية بأنها «نموذج التعايش» بين العرب واليهود، لم تخل من الأحداث. ففي بداية تشرين الثاني عام 2007، قتل سائق سيارة الأجرة الحيفاوي، عماد خوري، بسكين من متطرف وهو في طريق عودته إلى بيته، تاركاً أرملة وأربعة أبناء. كان قتل خوري متعمداً لكونه عربياً، وهذا ما صرخ به القاتل قبل أن يغمد سكينه في قلب المغدور. الغضب عمَّ المدينة، والشرطة اعتقلت المشتبه به، لكن سرعان ما تبين أنه «مختل عقلياً» و«غير مؤهل للمحاكمة»!
وتحل بعد غدٍ الذكرى الثامنة لشهداء «هبة تشرين 2000»: 13 شهيداً سقطوا خلال أسبوع عندما كان إيهود باراك رئيساً للوزراء. أُقيمت لجنة تحقيق رسمية، حققت في الأحداث وجزمت بوجود التمييز ضد فلسطينيي 48. لكنَّ التقارير بقيت قيد الأرشيف والممارسات استمرت.
القرى العربية في الجليل والمثلث والنقب تعاني فقدان المسطحات والخرائط الهيكلية. لا مكان للبناء والعيش بكرامة والأفق مسدود. السياسة نفسها: أكبر كمية من العرب على أقل قدر من المساحة. في مقابل هذا، تتمتع البلدات الاستيطانية برغد الحياة: أقل عدد من اليهود على أوسع مساحة. ما دفع بعض الأزواج الشابة إلى النزوح لإيجاد شقة في مدن مثل نتسيرت عيليت (المبنية على أراضي الناصرة) وكرمئيل (المبنية على أراضي مجد الكروم ونحف ودير الأسد). ويحذر رؤساء البلديات من «تفشيهم»، مشيرين إلى أن وجودهم «خطر». فلماذا المفاجأة عندما أقدم قبل ثلاثة أسابيع شبان يهود من كرمئيل على قلب سيارة عربي وضربه لأنه عربي؟
الأحداث تتنامى، والإعلام العبري والسياسيون لم يطرقوها كما تطرق الآن قضية شتيرنهل. والمستقبل لا يبشر خيراً، وخصوصاً حين طالبت رئيسة الحكومة الإسرائيلية المكلفة، تسيبي ليفني، فلسطينيي 48 «أهل الوطن»، بـ«ممارسة حقوقهم القومية في الدولة الفلسطينية».