دفع ارتفاع أسعار التبن والعلف المركب أصحاب مزارع الأبقار إلى بيع الأبقار الحلوب إلى أسواق اللحوم بدلاً من الإفادة من إنتاج الحليب الطبيعي، ما يشير إلى أزمة حقيقية تترصد قطاع تربية الأبقار والعاملين فيه!
البقاع ــ نقولا أبو رجيلي
أكثر من 50 في المئة من مزارع تربية الأبقار الحلوب في البقاع أقفلها أصحابها نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف المركبة والتبن. وارتفاع الأسعار مفتعل محلياً، بحسب تأكيد المعنيين بالقطاع، إذ إن معامل تصنيع الألبان والأجبان تتحكم بسوق بيع الحليب الطبيعي، وتفرض أسعاراً لا تكفي لسداد كلفة الإنتاج التي تتزايد تصاعدياً. ومن ناحية أخرى يعمد بعض التجار إلى تصدير كميات ضخمة من التبن إلى الأردن عبر البر، مستفيدين من عدم خضوع هذا الصنف للرسوم الجمركية، ما يؤدي إلى انخفاض العرض الداخلي وازدياد الطلب، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني. كل هذه المؤشرات أدت إلى تزايد حركة بيع أبقار حلوب بمختلف أعمارها، بما فيها صغار الإناث إلى أسواق اللحوم، ما يشير إلى أزمة تجتاح قطاع الأبقار وإنتاج الحليب الطبيعي في لبنان.

ارتفاع الأكلاف والتصدير

يقول صاحب مزرعة لتربية الأبقار الحلوب في زحلة، توفيق القاصوف إن استمرار ارتفاع كلفة تربية الأبقار سيؤدي إلى خسائر ضخمة لدى المزارعين، لافتاً إلى أنه تبقى لديه حوالى 80 رأساً من الأبقار من مختلف الأعمار إناثاً وذكوراً، بعدما اضطر إلى بيع قسم منها لتوفير ثمن 265 قنطاراً من التبن بمبلغ 34 مليون ليرة لبنانية، حيث وصل سعر القنطار الواحد إلى 130 ألف ليرة لبنانية، أي بزيادة فاقت 100 ألف ليرة مقارنة بالعام الماضي. ولفت توفيق إلى أن هذه الكمية من التبن هي نصف ما كان يخزنه سابقاً، ولا تكفي لإطعام أبقاره لمدة طويلة، عازياً أسباب ارتفاع سعر التبن إلى تصدير تجار لبنانيين كميات كبيرة معفاة من الضريبة الجمركية إلى الأردن عبر معبر المصنع.
أما صاحب مزرعة تربية الأبقار في بلدة داريا، مازن سرحال، فهو يشتري الحليب من البقاع لنقله إلى معمل الألبان والأجبان الذي يملكه في بلدته. وبحسب سرحال فإن افتقار السوق الأردنية إلى كميات التبن يعود للنقص الحاصل في إنتاج المزروعات العراقية، وهي السوق الأقرب من الناحية الجغرافية من المزارع الأردنية. ويلفت إلى أن عوامل تدني أسعار الحليب في لبنان عديدة، أهمها اعتماد بعض مصانع الألبان والأجبان على مواد مستوردة تُخلط بواسطة آلة مستحدثة تعرف بـ«هامونوجازر» مهمتها خلط مزيج من مواد جيلاتين البقر ودهن النبات وبودرة الحليب من النوع الرديء ومواد أخرى وكميات قليلة من حليب البقر وتصنيعها وطرحها في الأسواق على أنها من أجود أنواع مشتقات الحليب وبأسعار تنافسية وبأقل كلفة من المصنوعات التي تنتجها المعامل التي تعتمد كلياً على الحليب الصافي. وبطبيعة الحال بحسب وصفه فإن المستهلك اللبناني هو المتضرر الأول من الناحية الصحية، لكونه يبحث عن السعر الأدنى عند شرائه احتياجاته من الألبان والأجبان من دون التأكد من محتويات الأصناف. وطالب مازن بتفعيل وزارتي الاقتصاد والصحة دور الرقابة لمنع تمادي بعض أصحاب المعامل في الاستهتار بصحة المواطنين، وبالتالي الحفاظ على قطاع تربية الأبقار. وأشار مازن إلى أنه يبيع الأبقار التي ينخفض إنتاجها لعدم قدرته على تجديد النوعية بسبب الخسائر التي تكبدها نتيجة ارتفاع أسعار العلف المركب والتبن.

البطاطا للأبقار!

«يجب بيع كيلو غرام الحليب بأكثر من 1500 ليرة لتغطية كلفة الإنتاج وكسب أرباح قليلة» صرخة أطلقها فدعا ساسين الذي يملك هو وأشقاؤه حوالى 200 رأس من الأبقار الحلوب في بلدة كفرزبد. وبسبب ارتفاع أسعار العلف المركبة والتبن، قرر وإخوته بيع بعض من الأبقار التي انخفض إنتاجها وجميع (العجول) من مختلف الأعمار لسداد ثمن حوالى ألف قنطار من التبن، فكلفة طن العلف بحسب ساسين تفوق 800 ألف ليرة من دون احتساب المصاريف الأخرى كأجرة العمال والمحروقات وكلفة النقل، في ظل بيع كيلوغرام الحليب 1200 ليرة، أي أقل من كلفة الإنتاج بـ 200 ليرة.
أما الحل السحري لارتفاع أكلاف الإنتاج، فهي استبدال التبن بالبطاطا، إذ يشير ساسين إلى أن أسعار البطاطا المتدنية دفعته إلى اعتماد هذه المادة طعاماً بديلاً للأبقار، إذ إن سعر الطن الواحد من البطاطا هو حوالى 150 ألف ليرة، ويشير إلى أن «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فمزارعو البطاطا يعانون انخفاض أسعار إنتاجهم، ومزارعو الأبقار يفيدون من أزمتهم. إلا أن إيجاد حل مؤقت لارتفاع أكلاف التبن لم تحل دون بيع ساسين بعضاً من أبقاره إلى سوق اللحم بأسعار تراوح بين 4500 ليرة لكل كيلوغرام من العجول والأبقار الصغيرة (بكيرة)، و3500 ليرة للأبقار التي انخفضت نسبة إنتاجها. ويقول ساسين: «لا يكفينا تعب تربية الأبقار المضنية، لتأتينا الخسائر المتراكمة حتى في سواد البقر (البراز) الذي يستخدم سماداً عضوياً للأشجار، إذ إن سعر السواد أصبح زهيداً جداً، وأحياناً كثيرة يحصل عليه التجار من دون مقابل، بعدما كان ثمن الكيس سابقاً يتجاوز 2000 ليرة». وطالب ساسين بإيلاء هذا القطاع العناية اللازمة من خلال دعم المواد الأولية للعلف وتقديم مساعدات عينية من أدوية علاجية وفيتامينات ومراقبة الأسواق من ناحية جودة اللحوم ونوعيتها.