حسام كنفانيمهمة كوندوليزا رايس، في الشرق الأوسط اليوم واضحة. تكريس «اتفاق الرف» الذي يريده إيهود أولمرت واعتماده «وديعة» تكون أساساً للمضي في المفاوضات خلال المرحلة المقبلة، سواء في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش أو خلفه الديموقراطي أو الجمهوري. مهمة رايس ستكون محصورة بالضغط على الطرف الفلسطيني للقبول بالبنود الواردة في اقتراح أولمرت المتعدد الأوجه، باعتباره «الفرصة الأخيرة» في عهد الإدارة الحالية. اقتراح تسقط بموجبه غالبية الحقوق الفلسطينية، لتبرز في مقابلها «حقوق إسرائيلية» في «الدولة» الفلسطينية المزمع قيامها، التي من الواضح أنها ستكون «شبه دولة مؤقتة»، أشبه بـ«محمية» مجردة من القدس والأغوار والسيادة

«اتفاق رف» يستثني القدس والأغوار ويُدخل مصر في تبادل الأراضي



تبدأ وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، زيارة إلى الشرق الأوسط اليوم، وفي جعبتها مهمة تحقيق إنجاز للإدارة الأميركية المغادرة لمسرح السياسة الخارجية. زيارة الوزيرة الأميركية، أو مهمتها، لن تكون الأخيرة قبل نهاية العام، ولا سيما إذا لم تستطع الحصول على مبتغاها من الطرف الفلسطيني.
جولة الوزيرة الأميركية هذه قد تكون مفصلية في تحديد التوجه التفاوضي الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، وخصوصاً أن العنوان الوحيد المدرج على جدول أعمال لقاءاتها هو اقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت لـ«اتفاق الرف» أو اتفاق الحل الجزئي، لكونه أقصى ما يمكن تحقيقه في الفترة الحالية وقبل مغادرة جورج بوش للبيت الأبيض، مع إضافة بعض وعود التزيين الأميركية.
وأكّدت مصادر فلسطينية مطلعة على تفاصيل المفاوضات والاقتراح المقدّم من أولمرت، لـ«الأخبار»، أن تطبيق «اتفاق الرف»، الذي تم تناول بعض بنوده في الصحف الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، «مرتبط بشروط تعجيزيّة تؤجّل التنفيذ إلى أجل غير محدّد». وأوضحت أن أبرز هذه الشروط مرتبط «باستعادة سيطرة السلطة على قطاع غزة وقدرتها على الوفاء بالالتزامات الأمنية»، لجهة محاربة، ما تسميه إسرائيل، «النشاطات الإرهابية وتفكيك البنية التحتية الإرهابية»، في إشارة إلى فصائل المقاومة.
وبناء عليه، فإن أي بند من بنود الاتفاق لن يكون خاضعاً للتنفيذ الفوري في المرحلة المقبلة. وأشارت المصادر إلى أن «الاقتراح أو الاتفاق يتضمن نقل السيطرة الفلسطينية إلى مساحة تتراوح بين 66 إلى 70 في المئة من مساحة الضفة الغربية، مستثنياً القدس المحتلة والأغوار، وتبادل أراضي 7 في المئة من أراضي الضفة الغربية، في مقابل 5 في المئة من الأراضي المحاذية لقطاع غزة». وأضافت أن «نسبة 7 في المئة بالنسبة إلى الضفة الغربية ليست نهائية، وخاضعة لتعديلات على مسار جدار الفصل، ومن الممكن تقليصها إلى 5 في المئة».
وأوضحت المصادر الفلسطينية أن جدار الفصل كان مصمماً لعزل 12.5 في المئة من أراضي الضفة الغربية، من دون القدس والأغوار، مشيرة إلى أن تعديلات جرت على مسار الجدار، خلال المفاوضات، لتتقلص النسبة إلى 8 في المئة في آب الجاري. وأضافت أن التعديلات، التي سوقتها سلطات الاحتلال على أنها تنازلات، جرت أساساً في مناطق سلفيت وقلقيلية ورام الله. وتابعت أن «التعديلات يمكن أن تتواصل لتستقر المناطق المعزولة على ما نسبته 5 إلى 6 في المئة من مساحة الضفة المشمولة بالاقتراح».
وكشفت المصادر عن أن «تبادل الأراضي ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، بل ستضم مصر إلى الصفقة»، مشيرة إلى أن «مصر ستعطي للفلسطينيين مساحة تقدّر بضعف مساحة قطاع غزّة في شمال سيناء وإسرائيل تعوض مصر بمساحة تقدر بنصف مساحة القطاع في النقب، إضافة إلى نفق بجوار إيلات يربط مصر والأردن». وأضافت أن «شرط تطبيق فكرة تبادل الأراضي الثلاثي هو التوصل إلى اتفاق». وأكدت أن «الجانب المصري مطلع على الاقتراح، ويحتفظ به من دون تعليق سواء سلباً أو إيجاباً».
وأكدت المصادر ما أوردته صحيفة «هآرتس» لجهة المطالب الأمنية المدرجة في الاقتراح، مشيرة إلى أن «الدولة المرتقبة ستكون منزوعة السلاح، ومقيّدة الحرية في عقد تحالفات خارجية، إضافة إلى احتوائها على ثلاث محطات إنذار مبكر، ومشاركة القوات الفلسطينية على المعابر، وحق الملاحقة الساخنة في عمق الأراضي المخصصة للدولة». أما بالنسبة إلى الأغوار، فهي ستكون «منطقة أمنية تحت سيطرة جيش الاحتلال، أي منطقة «سي» وفق تصنيفات اتفاقات أوسلو». ووفق هذه الشروط، ترى المصادر أن «الدولة» ستكون عبارة عن «محمية» لسلطات الاحتلال.
أما في ما يتعلق بملف اللاجئين وحق العودة، فقد أكدت المصادر الفلسطينية أن أساس البحث فيه هو «توطين وتعويض ورفض العودة إلى إسرائيل». حتى استيعاب بعض اللاجئين في الدولة المرتقبة «خاضع لقيود مشددة». أما جمع شمل بعض العائلات في أراضي فلسطين 48، فهو «قد يكون وفق معايير إسرائيلية» لا تتدخّل فيها السلطة الفلسطينية.
وأشارت المصادر إلى أن جولة رايس تسعى إلى حسم خطوة ما بعد اتفاق الرف، «إما عبر ذهاب الطرفين إلى مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تبدأ دورتها في أيلول المقبل، بمشروع اتفاق يحدد ما تم التوافق عليه حتى الآن وإلى جانبه مواقف متقابلة للقضايا التي لم يتم الاتفاق عليها، أو تسليم الإدارة الأميركية ما يشبه الوديعة لعمل لاحق تتابعه الإدارة المقبلة».
والاقتراح الأخير تروّج له خصوصاً وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني. وتحذّر المصادر من الدخول في «لعبة الوديعة» على اعتبار أنها ستكون أساس أي مفاوضات في المرحلة المقبلة، وبالتالي «خفض سقف المطالب والحقوق الفلسطينية ونسف التسوية على قاعدة قرارات الشرعية الدولية». وأضافت أن هذه الفكرة «تعطي الإدارة الأميركية المدخل للتقدم بمشروع تسوية واقتراحات لجسر الهوة بين الجانبين، بناءً على ما بحوزتها من مواقف للطرفين، والتي هي في الأساس أقل من الطموح الفلسطيني الذي خاض المفاوضات على أساسه».
وأكدت المصادر أن زيارات وزيرة الخارجية الأميركية المكوكية خلال الفترة الماضية والمقبلة «تجري على هذا الأساس، وهي تسعى لإنجاز ما في إطار هذه اللعبة التفاوضية الخطرة يسجل في رصيد الإدارة الحالية، ويسلم كوديعة للإدارة الأميركية المقبلة».


ملّوح يحذّر من مهمتها

انتقد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عبد الرحيم ملّوح، زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للمنطقة، مشيراً إلى أنها تهدف إلى الضغط على الطرف الفلسطيني من أجل تقديم المزيد من التنازلات، خدمة للسياسات الإسرائيلية وتسجيل نجاح للإدارة الأميركية المغادرة، ولو على شكل اتفاق مؤجل التنفيذ.
وحذر ملّوح من إمرار ما تهدف إليه رايس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني، على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه. وقال إن «الأولوية للوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام، وإعادة الاعتبار لمؤسساتنا الوطنية الواحدة الموحدة، لا إدارة عملية علاقات عامة ومفاوضات عبثية ورهانات مضللة». وطالب كل من تقابلهم رايس أن «يقولوا لها إن الشعب الفلسطيني لا يثق بكم وبسياساتكم، ويرفض تقديم أي تنازلات عن حقوقه».