مخالفات تبدأ من الموازنة وصولاً إلى الصفقاتهاني نعيم
أزمة سياسية مستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، المؤسسات الدستورية معطّلة، مجلس النوّاب في غيبوبة مانعة لممارسة صلاحيّاته، الحكومة عرجاء، والموازنة لم تقرّ منذ عام 2005... سمات أساسية طبعت مرحلة ما قبل انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وما بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، ولكن أين كان ديوان المحاسبة خلال فترة الأزمة؟ وهو الذي يملك صلاحية الرقابة المسبقة على الحسابات، بحيث إن أهمية هذه الرقابة تكمن في أنها تسمح بالتحقق من مدى التزام الحكومة بتنفيذ الموازنة ومدى التقيّد بإذن الجباية والإنفاق المعطى من ممثلي الشعب للحكومة، وهي تظهر وضعية محاسبة الدولة عند نهاية كل سنة مالية، ما يمكّن من الاطّلاع على الأعباء المترتبة على الدولة وعلى ما لها من حقوق.
في عام 2005، وقبل اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، علت بعض الأصوات التي تطالب بإلغاء رقابة ديوان المحاسبة هذه، وعلّل أحد الخبراء في الديوان هذا الطلب بأنّ «أيّ سلطة تعمل لتخفيف الرقابة عن أعمالها، وتسعى لخلق فسحة تمرّر عبرها الصفقات»، وأوضح موجزاً «الرقابة المسبقة عادةً ما تخفض من قيمة الإنفاق في الصفقات التي تعرضها الحكومة على الديوان».
على صعيد آخر، أكّد هذا المرجع أهميّة هذه الرقابة بالنسبة إلى العمل البلدي، حيث إنّ «90 في المئة من البلديات في لبنان يلزمها الكثير من التأهيل والخبرة في هذا المجال. كما إنّ الفساد مستشرٍ في الكثير من إداراتها، والرقابة المسبقة في هذا الصدد تساعد على تعديل دفتر الشروط وتساعد البلديات في أعمالها المالية»، ما يؤكد أهميّة هذه الرقابة التي عمل بعض المسؤولين الحكوميين على إلغائها.
ويرفض هذا الخبير الاتجاه الذي يدفع به البعض لتوكيل القطاع الخاص فقط التدقيق في الحسابات العامة، معتبراً أن ديوان المحاسبة يجب أن يكون المرجعية النهائية في هذا الموضوع، وقد يعاونه القطاع الخاص في ذلك. ولكي يستطيع الديوان أن يقوم بالتدقيق على أكمل وجه، يدعو الخبير إلى زيادة عدد الموظفين والقضاة في الديوان بما يتناسب ووظيفته.
إذ يصدر كل سنة حوالى 1500 قرار في ما خصّ الرقابة المسبقة. وفي عام 2005 خالفت الحكومة 9 قرارات منها. وكذلك الأمر في عام 2006، ولكن لا يوجد حتى الآن إحصاء رسمي يوضح عدد المخالفات في عام 2007 . أما منذ مطلع عام 2008 فيوجد قرار واحد تمت مخالفته «هذا عدا عن التجاوزات التي قامت بها الحكومة ولكن من دون أن تُعلم الديوان بها» يضيف المرجع نفسه. ويشير إلى «أنّه من الناحية القانونية، تبلّغ الحكومة مخالفاتها للديوان، فيصدر الأخير تقريراً خاصاً مع تعليق، ويرسله إلى البرلمان ليُحاسب الحكومة، «ولكن هذه المحاسبة لا تجري في لبنان، والقرارات توضع في الأدراج المغلقة».
ولكون أغلب الإنفاق العام يكون أحياناً عبر مؤسسات غير خاضعة لرقابة الديوان، يقترح المرجع تفعيل الرقابة المسبقة عبر إخضاع هذه المؤسسات لرقابته ومعها مجلس الإنماء والإعمار، وصندوق المهجّرين على سبيل المثال.
ففي آخر موازنة صدرت في عام 2005، لم تستخدم الحكومة القاعدة الاثني عشرية كما يجب، لكونها تطبّق أثناء عدم إقرار موازنة السنة، فقد أصدرت عدة قرارات سمحت لها بتجاوز الاعتمادات المرصودة لموازنة 2005 وذلك للأمور الضروريّة، ولكن الوزراء رأوا أنّ كل إنفاقاتهم ضرورية، وبذخوا في الإنفاق! أمّا ديوان المحاسبة، فقد أجبر الحكومة في الصفقات الخاضعة لرقابته على الالتزام بالقاعدة الاثني عشرية إلا في بعض الحالات وهي شراء الأدوية والمحروقات للآليات العسكرية، وذلك اعتماداً لنظريّة الظروف الاستثنائية، وكل عدا ذلك تم رفضه.
وعن عدم اهتمام الرأي العام بما يقرّه ويصدره ديوان المحاسبة، يروي المرجع حادثة حصلت في فرنسا ليشير إلى تأثير ديوان المحاسبة الفرنسي على الرأي العام، وهذه الحادثة تتعلق بنشر ديوان المحاسبة تقريراً حول حسابات جمعية لمعالجة مرضى السرطان، وأبرز فيه أن جزءاً مهماً من إنفاقها هو على إنفاق مكتبي للإداريين، ما أدى إلى وقف الحكومة دعم الجمعية، وامتناع الفرنسيين عن التبرّع لها، ما أدّى إلى إغلاقها بعد فترة زمنية قصيرة. وعليه، يقترح المرجع إحداث دائرة عامة لإعلام الرأي العام بقرارات الديوان وتأثيرها على المال العام، إذ «لا يكفي نشر القرارات في الجريدة الرسمية فقط، فمن يقرأها عادةً؟».
خالفت الحكومة 18 قراراً بين عامي 2005 و2006، وهذه بعض قرارات مجلس الوزراء التي أبلغت إلى ديوان المحاسبة والمتخذة خلافاً لقرارات الديوان:
- تلزيم ترميم صحائف عقارية لزوم أمانات السجل العقاري.
- مشروع عقد مصلحة، لزوم تسديد بدل إعداد دراسات تسويق وتصريف الصناعات اللبنانية في السويد.
- دفع المستحقات السنوية لشركة Midware Datat Systems المترتبة عن العقد المتعلق بشراء حقوق واستعمال برامج وأنظمة مايكروسوفت.
- إعطاء مساهمة مالية للمعهد الوطني العالي للموسيقى لعام 2006.
- دفع مساهمات مالية إلى صناديق المدارس الرسمية عن عام 2005 ـ 2006.
- تلزيم مطبوعات لزوم دائرة الامتحانات في المديرية العامة للتربية لعام 2006.
- تنفيذ دورة تذكيرية لعشرة عسكريين من القوات الجوية.
- تلزيم تنظيم مستودعات أمانة السجل العقاري في بعبدا.
- تأمين شراء جهاز (Real-yime RT.PCR) مع تجهيزاته وكواشفه لاكتشاف فيروس أنفلونزا الطيور بفترة قياسية.
- تلزيم أشغال تنظيف وتأهيل شبكات تصريف مياه الأمطار والمجاري الصحية ضمن مدينة جونية وحتى كازينو لبنان.
- طلب وزارة الداخلية والبلديات الموافقة على مشروع عقد اتفاق رضائي لتطوير وتحديث آليات إدارة العملية الانتخابية.
الموافقة على إعطاء مساهمات مالية لبعض المستشفيات الحكومية (مؤسسات عامة) وتسديد سلف خزينة.
- طلب وزارة الإعلام الموافقة على سبيل التسوية على تجديد تلزيم التنظيفات في مباني وزارة الإعلام إلى مؤسسة فواز للتجارة والمقاولات العامة من تاريخ 1/8/2004 لغاية 1/8/2005.


عقد إيجار مخالفلمدة سنة لسفيرة لبنان لدى بريطانيا إنعام عسيران بأنه «يتجاوز المألوف والمتعارف عليه مقارنة بدور سكن السفارات اللبنانية في الخارج». يشار إلى أن قيمة عقد الإيجار بلغت 765 ألف دولار لمدّة سنة، أي بما يعادل 22,087,500 مليون ليرة أسبوعياً!


1500 قرار

يصدرها ديوان المحاسبة
سنوياً في ما خصّ الرقابة المسبقة، إلا أن الحكومة تخالف عدداً من القرارات من دون أي محاسبة


18 قراراً

خالفتها الحكومة بين عامي
2005 و2006، يضاف إليها مخالفة واحدة سجّلت في عام 2008، فيما مخالفات عام 2007 لم تصدر بعد