strong> مهدي السيد
عادت العلاقات المصرية ـــــ الإسرائيلية إلى واجهة الاهتمام الإعلامي في إسرائيل، على خلفية الكلام الذي أدلت به وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، والذي أشارت فيه إلى أن السلوك المصري «سيئ وإشكالي» على الحدود مع غزة.
وتطرق معلق الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، إلى الحجج التي تسوقها المستويات الإسرائيلية لتبرير السلوك المصري، فأشار إلى أن الاعتقاد السائد في إسرائيل، استناداً إلى الوقائع على الأرض، يفيد بأن «تثاقل القوات الأمنية المصريّة في سيناء ليس مصادفة. والسبب الحقيقي، بحسب مصادر تقدير في إسرائيل، هو أن مصر ببساطة غير مهتمة بحل كامل للنزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، وأن لديها مصلحة في أن تتواصل إراقة دم إسرائيل في الساحة الغزاوية».
ويلفت يشاي إلى وجود اعتبار اقتصادي ـــــ استراتيجي يحكم الموقف المصري، ينطلق من أن «إسرائيل التي تعيش بسلام مع محيطها، ستحيط مصر اقتصاديّاً وسياسيّاً بالغموض. وإضافة إلى ذلك، فإن هذا الوضع من النزاع الدامي يجبر كل الأطراف على الاستعانة بالخدمات الجيدة لمصر، الأمر الذي يزيد مكانتها الاستراتيجية ويمكنها من انتزاع مجموعة من التنازلات والمنافع».
ويضيف يشاي أن «لدى مصر مصلحة استراتيجية أخرى، تملي سياستها المزدوجة تجاه غزة: فهي ملتزمة بأن تبدو كمن تكافح عمليات التهريب إلى «حماستان» حتى لا تخسر المساعدات الأميركية؛ في المقابل، لا يفرحها ضرب حماس ضربة شديدة جداً، وذلك لعدم إثارة حركة الإخوان المسلمين، التي زادت قوتها كثيراً في السنوات الأخيرة والتي تمثّل حالياً تهديداً أساسيّاً على بقاء نظام (الرئيس حسني) مبارك العلماني وعلى من سيرثه».
الدافع الثالث، بحسب يشاي، هو خوف مصر من بدو سيناء، لأن «مكافحة التهريب الذي يمثّل مصدر العيش والثراء الأساسي للبدو، سيدفعهم للانتقام عبر تنفيذ عمليات، تؤدي إلى إبعاد السيّاح من أماكن الاصطياف. لذلك، تعمل القوات الأمنيّة المصريّة بشكل ناجع فقط ضد النشاطات البدوية التي تشكّل خطراً مباشراً على السياحة، في حين أنها تدير عمليات منع التهريب عبر سيناء إلى القطاع بتثاقل وتراخٍ متعمّد».
ولا يغفل بن يشاي الإشارة إلى «عامل الفساد الذي يؤدي دوراً لا يقل أهمية عن الدور السياسي».
ويخلص بن يشاي إلى القول إنه «إزاء مجموعة المصالح المصريّة هذه، تضعف الفرض بأن تنجح إسرائيل وحتى الولايات المتحدة بتغيير أساليب العمل على طول محور فيلادلفي بشكل بارز. وما دامت إسرائيل لا تشغّل قواتها لتغيير الوضع من أساسه، فإن عمليات التهريب ستستمر وسيتواصل تعاظم قوة حماس».
بدوره، تطرق رئيس مجلس الأمن القومي السابق، غيورا آيلند، إلى الاعتبارات الاستراتيجية التي تحكم السلوك المصري، فأشار في مقالة له في «يديعوت أحرونوت»، إلى أن «مصر غير معنية، على المستوى الاستراتيجي، بأن ينتهي النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، وذلك لثلاثة أسباب: الأول، أن مصر كانت زعيمة العالم العربي حتى 1967. الهزيمة أمام إسرائيل في حرب الأيام الستة هي العامل الرئيسي في هبوط أهميتها. والسبيل إلى العودة لتكون زعيمة العالم العربي تقتضي أن تعود إسرائيل إلى حجمها الطبيعي، لا من الوجهة الجغرافية فقط. لذلك ترى مصر أن كون إسرائيل ضعيفة، ومتعلقة، وبلا قدرات عسكرية تهديدية ومهاجمة في الساحة الدولية شرط لإعادة المجد كما كان».
والدافع الثاني، بحسب آيلند، «يتمثل في التعرض لضغط أميركي لتقديم إصلاحات ديموقراطية. وأفضل سبيل لرفض ذلك هو التذرع باستمرار النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني. والدافع الثالث هو أن مصر تحصل على دعم دولي، وبخاصة من الولايات المتحدة، بسبب تصور يقول إن لها إسهاماً حيوياً في حل النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني. وعليه، من المهم أن يستمر النزاع لكي تستمر حاجة العالم إلى تلك الوساطة».
ويرى آيلند أن هذه الدوافع تمثّل الخلفية لفهم العجز المصري عن كل ما يتصل بتهريب السلاح إلى غزة.
في السياق، تطرقت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها، إلى طبيعة العلاقات الإسرائيلية ـــــ المصرية، على خلفية تبادل الاتهامات بين الدولتين، محذرة من أن يؤدي ذلك إلى تعكر صفو العلاقات بينهما في مجال توجد فيه بالذات مصلحة مشتركة وأساس للتعاون الوثيق.
وفي موقف لافت، حملت «هآرتس» لواء الدفاع عن الموقف المصري من باب الحرص على أهمية العلاقة معها، مشيرة إلى أن مصر، التي تكافح «الإرهابيين المتطرفين» في أراضيها وتنتهج يداً حديدية تجاه حركة «الإخوان المسلمين» التي تتبع لها «حماس»، لا ترغب في تعاظم الذراع العسكرية لهذه الحركة.
وتضيف «هآرتس» أنه في الوقت نفسه «تعمل مصر أيضاً على المستوى السياسي؛ كما أنها تواصل مساعيها لتحرير الجندي جلعاد شاليط». ولا ترى الصحيفة «أي مبرر للتحفظات الإسرائيلية تجاه مصر التي عملت دون هوادة من أجل حث عملية السلام في المنطقة، التي شقت طريق السلام مع إسرائيل بثمن باهظ جداً من ناحيتنا».
وتختم الصحيفة بالقول إن «مصر ليست دولة عدوة، ولا حتى خصماً يجب صفعه على الوجه، بل إنها جديرة بثقة إسرائيل».