علي شهاب
يتولّى غابي أشكينازي رئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي وتجربة سلفه دان حالوتس ماثلة نصب عينيه، مع ما تحمله من تداعيات على الأمن والردع الإسرائيليين، وما لها من تأثير على التحديات التي تواجهها الدولة العبرية. لذا ستظل نتائج الفشل في عدوان تموز في لبنان تلازم القائد الجديد لهيئة الأركان حتى قبل أن يضع خططه الجديدة، والى أن يكسر الحواجز النفسية لدى الإدراك العام الإسرائيلي بفعل الحربيواجه غابي اشكينازي (53 عاماً) اختباره الأول في العمق؛ في غزة، وهي ساحة ميدان لم يعرفها يوماً، حتى عندما كان جندياً، إذ يمكن اعتباره متخصصاً في جبهتي سوريا ولبنان. وبالتالي يبدو أن الجيش الإسرائيلي يفتقد، مع تعيين القائد الجديد، خبيراً متمرساً في الجبهة السياسية – الأمنية في الداخل، مع الإشارة الى أن التاريخ العسكري لأشكينازي بدأ منذ التحاقه بالجيش عام 1972، عندما انضم إلى لواء «غولاني»، وكانت حرب تشرين في العام اللاحق أولى مشاركاته الفعلية في القتال، قبل أن يقع الاختيار عليه للمشاركة في وحدة الكوماندوس التي نفذت عملية عينتيبي في أوغندا عام 1976.
أما دخوله الجبهة اللبنانية، فكان في الاجتياح الإسرائيلي للجنوب عام 1978 (عملية الليطاني)، حيث أصيب بجروح في يده ورجله. وقد رقّي الى رتبة قائد للكتيبة 51 في لواء غولاني بعد هذه الحرب.
وظل اسم اشكينازي، الذي أُطلقت عليه ألقاب عديدة بينها «المدير العام للجيش الإسرائيلي» و»البولدوزر»، مرتبطاً باللواء الشهير حتى تعيينه نائباً لقائد غولاني أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، علماً أن معظم سنوات خدمته العسكرية قضاها في لبنان حيث كان ضابطاً في قيادة الجبهة الشمالية، قبل أن يحصل على رتبة جنرال عام 1998 ويصبح قائداً للجبهة.
أولى خطواته العملية المرتقبة، ستكون، على الأرجح، تقديم برنامج عمل. وعلى رأس القائمة إعلان موقف من خطة حالوتس، الذي وضعها بعيد الحرب الأخيرة في لبنان، وما تلاها من تحقيقات داخلية في شأن أداء المؤسسة العسكرية، مع الإشارة الى مهمة مزدوجة في هذا المجال، حيث يعلم اشكينازي تماماً حجم الضرر الذي لحق بهيبة الجيش الإسرائيلي، وهو مطالب بمراعاة هذه المسألة بالتوازي مع إحداثه التغييرات اللازمة.
وفي هذا السياق، يشير معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «هآرتس»، أمير اورن، الى أنه «لن يكون ثمة من يعترض على كفاءة أشكينازي لقيادة سلاح البرّ، لكن سيكون اعتماد زملائه في القيادة العسكرية أقلّ بكثير على كفاءته في مجالين آخرين، هما المجال الاستراتيجي والمجال الفلسطيني».
ولأن معالجة تداعيات الحرب من أولويات اشكينازي، فإن إدارة الجبهة الشمالية مع لبنان هي ساحة مفتوحة لعمل عاجل، وخاصة أنه لم يشارك زملائه في هيئة الأركان في اتخاذ القرارات الميدانية خلال العدوان، وهو سيحاول التعويض عن هذا الأمر بتنفيذ مراجعة شاملة لخطط الجبهة الشمالية، بالاستفادة من خبرته في قيادة المنطقة الشمالية أثناء الاندحار الإسرائيلي عام 2000، الذي عارضه اشكينازي بشدة، لأن «جلوس حزب الله على السياج (الحدودي) وهو مدجّج بالسلاح يهدد بالخطر سكان المنطقة الشمالية. إنه واقع لا تستطيع إسرائيل التسليم به طويلاً».
ومن القضايا المصيرية التي ستُمثّل اختباراً جدياً لرئيس الأركان الجديد، تمكنه من ترتيب الانتشار عند الحدود مع لبنان، حيث لا يزال نجاح حزب الله في أسر ثلاثة جنود إسرائيلين، بينما كان اشكينازي قائداً للمنطقة الشمالية، ماثلاً في الأذهان، في عملية لاحقته أصداؤها طويلاً، رغم أن لجنة التحقيق برّأته من المسؤولية المباشرة عن هذا الفشل.
في كل الأحوال، فإن احتمال حدوث مواجهة جديدة مع حزب الله هي أحد السيناريوهات، التي على أشكينازي تقديم أجوبة عن الأسئلة المطروحة في شأنها.
ومن التحديات الأخرى أمام الجيش الإسرائيلي، احتمال اندلاع حرب كلاسيكية مع سوريا، أو حملة عسكرية واسعة النطاق ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وفي هذا الصدد، تشير التجربة القصيرة لأكشينازي مع الفلسطينيين الى تشدده في الدفاع عن الجنود الإسرائيليين المتهمين بقتل مدنيين. وقد دفع هذا التشدد إلى تعيينه قائداً للواء «غولاني» مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.
ويبقى التهديد النووي الإيراني العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة في المنطقة، مع لحاظ أنه بينما تأثرت خطط حالوتس بحقيقة انتمائه إلى سلاح الجو، فإن قوة اشكينازي تنبع من خبرته في سلاح البر، وهو الميدان الذي سيكون محور اهتمامه في جميع الخطط، فضلاً عن جملة مشاكل يواجهها جيش الاحتلال وتحتاج الى معالجة سريعة، وفي مقدمها إعادة صورة الردع التي تضررت في الحرب في لبنان، والتحضير السريع لحرب مفاجئة، كما العمل على رفع المستوى القتالي لدى القوات البرية بعد الفشل في جنوب لبنان وإيلاء سلاح الجو الأفضلية في المرحلة الماضية، وإطلاق حملات اعلامية لاستعادة ثقة شعب اسرائيل.
فهل ينجح «البلدوزر» في تحقيق آمال اسرائيل، أم يغرق في خلافات هيئة الأركان المستنزفة بفعل التحقيقات الداخلية؟