لا تزال المعارك على أشدّها في أحياء مدينة بصرى الشام التاريخية (جنوب شرق درعا)، بعد سلسلة هجمات عنيفة شنّتها فصائل المعارضة السورية على الأحياء الآمنة من المدينة، بدأت في السادسة والنصف من صباح السبت الماضي.
ولا يخرج الهجوم الذي تقوده «جبهة النصرة» و«حركة المثنى»، إضافة إلى مقاتلين تكفيريين في «لواء شباب السنّة» و«لواء تحرير بصرى الشام»، على الأحياء الجنوبية من بصرى، عن سياق معارك الجنوب السوري بشكل عام، والتقدّم الذي حقّقه الجيش السوري وحلفاؤه في مثلثّ درعا ــ القنيطرة ــ ريف دمشق مؤخراً.
بدا واضحاً منذ أكثر من أسبوعين، إعداد «غرفة العمليات المشتركة في الأردن (موك)» لعمليّة عسكرية تعيد التوازن في ميدان الجنوب، في ظلّ الخسائر التي مُني بها المعارضون بعد السيطرة على قرى دير العدس ودير ماكر والدناجي وخربة سلطانة وبعض التلال الاستراتيجية المحيطة بها خلال الأسابيع الماضية، ما سمح للجيش بفصل شمال درعا عن القنيطرة، والقضاء على احتمالات الفصائل المعارضة بالوصول إلى دمشق عبر ريفها الجنوبي الغربي.
وبحسب المعلومات، فإن «موك» زادت من وتيرة تسليم الأسلحة والدعم للمعارضين في الأسبوعين الماضيين. وتشير المعطيات إلى دخول عدة قوافل من الشاحنات والبرادات إلى شرقي درعا قادمة من الأردن، محمّلة بالمواد الطبية والذخائر المتنوعة، لا سيّما الصواريخ المضادة للدروع والتحصينات، الأميركية الصنع، كصواريخ «تاو» و «جي. بي. سي. 9»، إضافة إلى استقدام المسلحين لأربع دبابات من مناطق مختلفة في درعا. وتعزّز العديد البشري للمعارضة بعد دخول دفعات جديدة من المقاتلين الذين تلقوا تدريبات على أيدي خبراء أميركيين وغربيين في معسكرات شمالي السعودية والأردن، التحق عدد كبير منهم بـ«لواء شباب السنّة» و«لواء عماد نصر» و«لواء تحرير بصرى الشام» و«فرقة عمود حوران». كذلك فإن حركة إجلاء المدنيين وعائلات المسلحين عن قرى جْمرّين وصْماد وجباب المحيطة ببصرى، باتجاه المناطق التي يسيطر عليها المسلحون في محافظة درعا خلال الأسبوع الماضي، بدت مؤشراً على قرب الهجوم واكتمال الاستعدادات العسكرية لدى المعارضة لمحاولة قلب المشهد الميداني في الجنوب.

تدّعي المعارضة وجود أعداد كبيرة من الإيرانيين ومقاتلي حزب الله في بصرى

كلّ هذا لم يكن خافياً على الأجهزة الأمنية السورية وجهاز أمن المقاومة، التي واكبت استعدادات المسلحين بتعزيز مواقع الجيش واللجان الشعبية والدفاع الوطني والحزب السوري القومي الاجتماعي داخل مدينة بصرى وعلى المحاور التقليدية في المحيط، بانتظار الساعة الصفر.
بدأ المسلحون منذ فجر السبت بالقصف المدفعي والصاروخي العنيف على الأحياء الآمنة التي تعجّ بأكثر من 33 ألف مدني من أبناء المدينة، وأحصت الجهات الأمنية سقوط أكثر من 3000 قذيفة حتى ليل أمس. وتركّز القصف على «محارس» الحي الشمالي الغربي، وعلى بيوت المدنيين، في الوقت الذي بدأ فيه المسلحون التقدم البرّي انطلاقاً من الحي الشرقي الذي يسيطر عليه المسلحون منذ منتصف عام 2012. وتقول مصادر ميدانية لـ«الأخبار» إن «هدف الهجوم الأول كان السيطرة على الكورنيش الشمالي، ثمّ محاولة السيطرة على قلعة بصرى الأثرية (تضمّ مدرّجاً رومانياً)». وتضيف المصادر أن «المسلحين تمكّنوا ظهر اليوم (الأحد) من السيطرة على ثلاثة محارس في محيط القلعة، منها البير، قبل أن تقوم حامية المدينة باستردادها ودحر المهاجمين». وتتابع المصادر أن «قتلى المسلحين تجاوزوا 24 قتيلاً، وعدداً كبيراً من الجرحى سقطوا، تم نقل بعضهم إلى مشافي بلدات غصم والمسيفرة والطيبة، كذلك تمّ نقل مجموعة من الحالات الحرجة إلى مشافٍ داخل الكيان الصهيوني». واستفاد المهاجمون إلى حدٍّ ما من سوء الأحوال الجوية يوم السبت، التي منعت سلاح الطيران المروحي والحربي السوري من المشاركة بفعالية في المعركة، لتتمكن الطائرات في ما بعد من استهداف أكثر من تجمّع للمسلحين على طريق جمريّن ــ بصرى، إضافة إلى قصف «بنك أهداف» معدّ مسبقاً على غالبية غرف إدارة العمليات التابعة للمسلحين في الجيزة وصيدا والمسيفرة وصماد.
وبالتزامن مع الهجوم على بصرى، شنّ المسلحون هجوماً على مثلّث قريتي بكّا وذيبين التابعتين لمحافظة السويداء، في أقصى جنوبي المحافظة، قرب الحدود الأردنية، بغية قطع طريق الإمداد (بصرى ــ بُرد ــ بكا ــ السويداء)، والالتفاف على بصرى من الشرق عبر ذيبين. لكنّ القوات السورية والدفاع الوطني تمكنوا من صدّ الهجوم وتكبيد المهاجمين خسائر فادحة.
مجريات الميدان لا تُخفي حقيقة محاولات المعارضة والقوى التي تدعمها تحقيق خرقٍ ما في الجنوب، لاستثماره على أكثر من مستوى. تظهر حاجة قويّة لدى المسلحين إلى رفع المعنويات بعد سلسلة الهزائم في دير العدس ومحيطها. وتقول مصادر سورية معنية بالجبهة الجنوبية إن «الهدف من الهجوم على بصرى هو تشتيت قوات الجيش، وتحقيق نصر معنوي بعدما استعصت المدينة على السقوط للعام الثاني على التوالي، فضلاً عن استثمار سقوط المدينة في السباق الميداني والسياسي المفتوح». وتضيف المصادر أن «سقوط بصرى يعني إخضاع السويداء في الميدان وفتح ثغرة كبيرة في جنوبها، كذلك فإن الهجوم على بصرى ترافق مع حملة تحريض كبيرة في درعا من خلال الحديث عن وجود أعداد كبيرة من مقاتلي حزب الله والإيرانيين في المدينة، وتظهير المعركة على أنها مذهبية».
وما ليس خافياً أن أهالي مدينة بصرى الشام والقرى المجاورة، من السنّة والشيعة، يقاتلون إلى جانب الجيش ضمن قوات اللجان الشعبية والدفاع الوطني، إضافة إلى المقاتلين القوميين. حتى إن مصادر أهلية في المدينة تشير إلى أن «عدداً من أهالي المسلحين الذين يهاجمون بصرى الآن، لا يزالون يسكنون في الأحياء المستهدفة، ويتعرضّون للقصف والقتل كباقي أبناء المدينة».