يحيى دبوق
«واجهنا عدوّاً مرّاً» في مواجهة «اتّسمت باللصوصية والقذارة» خاضها «جنرالاتنا» بـ«هستيريا»

شن القائد السابق لفرقة الجليل في الجيش الإسرائيلي العميد غال هيرش، أحد أبرز الضباط الإسرائيليين خلال عدوان تموز 2006، هجوماً عنيفاً على القيادة العسكرية الإسرائيلية خلال الحرب، متهماً إياها بالتخلي عن الجنود الذين قاتلوا في الميدان، وبعدم تحمل المسؤولية عن الفشل الذي مني به الجيش في لبنان، متوقعاً أن تعيد إسرائيل تكرار الفشل في الحرب المقبلة.
وقال هيرش، الذي استقال من منصبه في أعقاب تحميله جزءاً من مسؤولية الفشل في لبنان، إن «القادة العسكريين الرفيعي المستوى اختبأوا خلف الجنود الميدانيين الذين قاتلوا في لبنان، ثم تخلّوا عنهم، ولم يتحمل أحد منهم أية مسؤولية» عن الفشل، مشيراً إلى أن «أصحاب الجلالة وأصحاب المصالح وضعوا الجندي المقاتل كسترة واقية وحاولوا أمام العاصفة الاختباء وراءه، ثم رسموا دوائر من حولنا وبقينا مكشوفين مستهزَأً بنا ومحتقرين».
وتابع هيرش، الذي كان يلقي كلمة بمناسبة صدور كتاب توثيقي عن الحرب على لبنان أمس، إن «هناك من يشعر بالفعل بوجود أخطاء مهنية، لكنها برأيي لم تكن أصل الفشل، ولم تكن وراء الروح الشريرة التي أحاطت بها، فالحرب عكست فشلاً على مستوى الأخلاق والقيم لدى القيادة العسكرية التي تغلغلت فيها قيم مركز حزب سيئ لا أجد له مثيلاً»، معترفاً بأخطاء جرى ارتكابها في إدارة الحرب، ومشدداً على أن الظاهرة الأكثر إقلاقاً هي «تصرفات الجنرالات التي عكست انفعالية وهستيريا وموجة تشهير وقذارة، بعد أن أهين القادة الميدانيون وتعرضوا للتشهير، لا لأنهم ارتكبوا أعمالاً تنطوي على عار أو إهمال، بل لأنهم قاموا بواجبهم في المعركة وفي خدمة الدولة، لذا من الصعب ضبط النفس والسكوت».
ووصف هيرش التحقيقات العسكرية التي أجراها الجيش الإسرائيلي في الأسباب الكامنة وراء الفشل في الحرب بأنها «لم تجر كما ينبغي، وأنه إذا اضطررنا لخوض حرب جديدة فإنها قد تكون الأخيرة فعلاً». أما التحقيق بعملية أسر الجنديين الإسرائيليين من قبل حزب الله في الثاني عشر من تموز 2006، والتي سبقت الحرب مباشرة، فوصفه هيرش بأنه تحقيق «مشوّه وناقص ومضلّل ومن دون اتجاه، وكان يهدف إلى قطع رؤوس والتغاضى عن الفشل الاستخباري الخطير».
وشدد هيرش على أن الحرب اتسمت بكونها «ساحة قتال مشبعة بالخلافات وغنية بالشك، ولم نكن نواجه أهدافاً من كرتون أو براميل، بل كان أمامنا عدوّ مرّ ومجهّز ومدرب بشكل جيد»، مشيراً إلى «وجوب إبداء قليل من التواضع في ما يتعلق بتوصيف معارك كثيرة (في الحرب) بشكل مضلل وبالكامل، ولا بد من وقت طويل لإيضاحها»، في إشارة إلى بعض الاستعراضات الدعائية التي برزت أخيراً عن بطولات قام بها جنود إسرائيليون في المعارك.
وفي إشارات نقدية لاذعة إلى الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس، قال هيرش إن «ما حصل في الحرب هو انعدام مسؤولية، فالكلام عن الانتصارات بالنقاط، وعن قادة البلازما والأحصنة والنعاج أو سائر الألفاظ الأخرى التي جزء منها بالإنكليزية، قد حل مكان التحقيق الفعلي والدراسة النقدية والمجدية»، مضيفاً أنه «عند هبوب العاصفة وتهديد الخطر، يجب إجراء تموضع ووضع خطة ومنارة نشاهد منها البحر الهائج. لكن بعد حرب لبنان الثانية اضطربت المنارة حتى انطفأت وتراقصت إبرة الملاحين باحثة عن طريق واتجاه. لم تكن لدينا قيادة عسكرية في هذه الحرب ومن بعدها، ولم يكن لدينا رواد».
وواصل هيرش انتقاداته لحالوتس قائلاً «أنا أوافق على أنه من أجل أن تكون راعياً يجب أن تكون حملاً قبل ذلك»، في إشارة إلى مقولة كان حالوتس يكررها، «لكن من أجل قيادة القطيع يجب أن تتوفر النيات الصافية وقد شهدنا هروباً من المسؤولية من خلال استخدام مبادئ من عالم العلاقات العامة. لم تكن لدينا علاقات عامة في بنت جبيل ومارون الرأس، لكن في تل أبيب كانت هناك علاقات عامة وبكل تأكيد، وبالطبع يمكن القول إن براعم ذلك ظهرت قبل سنوات لدى تسلل قيم حزب رديء إلى الجيش وهي سياسة في قمة القبح جرى وضعها قيد الاختبار خلال الحرب».
وتابع هيرش: إن الحرب اتسمت «باللصوصية والقذارة والتحريض وبإشغال للإعلام، ويمكن الحديث عن التدريبات (التي تجرى حالياً)، والطموح والوسائل القتالية والمعرفة والاختصاص، لكن ذلك غير كاف، وغير ناجع، ما دام أنه لا يوجد لدينا عمود فقري».
وقال هيرش، في ما يتعلق بالتحقيقات التي طالته، إنه لم يعد قادراً على تحمل النفاق أو التهكم مع فقدان النزاهة في هذا التحقيق، لقد كانت هناك محاولة لإلقاء مسؤولية الخطف عليّ، وهو أمر جلب لي فضيحة، إلا أن الضرر لم يصبني لوحدي، بل لكل المجموعة العسكرية التي تساءلت عن الدعم، ولم يكن هناك أحد لتتكلم معه، ولم يكن هناك من يوقف العربدات.