افتتاحية هآرتس
من كامب ديفيد إلى أنابولس

الأحاديث المتجددة عن التسوية الدائمة، وتبادل الأراضي، وتقسيم القدس، وحق العودة، والوجوه المعروفة لأبو علاء وصائب عريقات مع الوثائق والخرائط، تثير إحساساً حاداً بالعودة الى الماضي، وكأن شيئاً لم يحصل منذ فشل المسيرة السلمية واندلاع الانتفاضة في صيف 2000. ولكن هذا وهم: المفاوضون في خريف 2007 يعملون في محيط سياسي داخلي وخارجي واستراتيجي مغاير جداً عما كان عليه في الجولة السابقة.
أولاًَ، «المقاييس» التي عرضها الرئيس السابق بيل كلينتون، في ختام ولايته للتسوية الدائمة الاسرائيلية ــــ الفلسطينية، رسَّخت في الوعي الدولي الإطار لحل النزاع. كل اتفاق بين أولمرت وعباس سيُقاس بخطة كلينتون، لفحص من تنازل ومن ربح.
ثانياً، بناء جدار الفصل رسَّخ في وعي معظم الإسرائيليين مسار الحدود النهائية في الضفة الغربية. التخلي عن مناطق غربية، في السلسلة الجبلية المشرفة على المراكز السكانية ومصادر المياه الإسرائيلية، سيصطدم بمعارضة داخلية عسيرة. المشكلة هي أن خط الجدار، الذي يبتر الضفة الى ثلاثة جيوب، بعيد عن الحد الأدنى الفلسطيني.
ثالثاً، مكانة قطاع غزة تغيرت تماماً. أولمرت وعباس يمكنهما أن يقررا ما يشاءا بالنسبة إلى غزة، مع العلم بأن هذا حرف ميت. حماس ستواصل السيطرة هناك والقسامات ستواصل الطيران الى إسرائيل.
رابعاً، ازدياد قوة إيران وحلفائها غيَّر سلباً ميزان القوى الإقليمي ودفع الدول العربية المعتدلة، بقيادة السعودية، الى البحث عن أدوية مهدئة للنزاع الاسرائيلي ــــ الفلسطيني. من ناحية إسرائيل، توجد هنا نقمة ونعمة: المبادرة العربية تقيّد المواقف الفلسطينية ولكنها أيضاً تعد بالمقابل بتطبيع وانخراط إقليمي.
خامساً، أميركا لم تعد قوية في الشرق الأوسط كما كانت من قبل، في أعقاب تورطها المنعدم المخرج في العراق والأفول السياسي للرئيس بوش. وعلى رغم أنه في المسألة الفلسطينية كانت هناك دوماً قيود على القوة الأميركية، يخيل أنه يمكن الآن التصرف نحوها بعدم لياقة، مثلما يفعل الرئيس الإيراني.
سادساً، وهو الأهم، أنه في عهد عرفات كانت المسألة ما إذا كان يريد التسوية، وفي المقابل كان بلا ريب قادراً على تنفيذها. أما اليوم فالوضع معاكس: النوايا طيبة، ولكن القدرة على تنفيذها متدنية. كل اتفاق معهم سيكون نظرياً، على الأقل الى أن ينجحوا في «التعزز» وتحمل المسؤولية الأمنية.
يتبين من كل هذا أن مهمة أولمرت وعباس أصعب بكثير من مهمة سلفيهما، باراك وعرفات... والاستنتاج هو أن مؤتمر أنابولس سيحتاج الى شجاعة وإبداع أكثر مما في الجولة السابقة في كامب ديفيد.