strong>يحيى دبوق
بدا واضحاً أمس، من خلال مقاربة وسائل الإعلام العبرية لاختراق مقاتلات إسرائيلية الأجواء السورية، أن ما حصل في هذه «العملية»، «يبدو كبيراً كي يدفع إسرائيل إلى المخاطرة»، ومن شأنه أن يغيّر نظرة الجمهور الإسرائيلي إلى رئيس حكومتهم، وأن يعيد الثقة بالمؤسسة الأمنية، بعد أكثر من عام على فشل عدوان تموز

رأى معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أمس أن «العملية أنهت الزخم السوري»، الذي تولّد بعد حرب تموز 2006، مشيراً إلى أنه «ظهر للسوريين أن مجال المناورة الإسرائيلية أكبر من مجالهم»، رغم إقراره بأن الرئيس السوري بشار «الأسد ليس مستعداً للصمت لزمن طويل».
وبحث هرئيل في «الصمت السوري»، معتبراً أنه «في الوقت الذي توظّف فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية جهدها في محاولة حل اللغز أو التلميح إليه، تنتقل وسائل الإعلام السورية إلى الانشغال بأنباء أخرى»، ما يشير إلى أن «الصمت السوري يدل على الحذر، ويمكن التقدير في هذه المرحلة بأن الرئيس بشار الأسد سيعض على شفتيه، ويحتمل أن يصبر ويمتنع عن الحرب»، لكنه استدرك قائلاً أن «الشهر المقبل سيكون حرجاً، وليس هناك يقين من أن الصبر الحالي يدل على استعداد الأسد للصمت طويلاً».
وأضاف هرئيل إنه «يخيّل أن أحداث الأسبوع الماضي تعيد المعادلة» الردعية بين إسرائيل وسوريا، التي تراجعت اخيراً «على خلفية الزخم اللبناني (في حرب تموز 2006) والعرض غير المقنع من جانب الجيش البري الإسرائيلي حيال حزب الله»، معتبراً أن ما نشر في سوريا عن «طلعة لطائرات قتالية (إسرائيلية) في العمق السوري، ضد هدف لم يتم توضيحه، يكفي كي يعدّل بعضاً من هذا الانطباع».
وفي تداعيات الخرق الإسرائيلي على الداخل الإسرائيلي، استبعد هرئيل أن يتمكّن رئيس الوزراء ايهود أولمرت من استغلال الحادثة لإعادة تكوين صورة مخالفة للصورة المتكوّنة عنه بعد فشله في حرب تموز 2006، مشيراً إلى أن «تبادل الأنخاب (في مقر هيئة الأركان) لم يبدّد ما لدى الإسرائيليين من شكوك تتعلق برئيس حكومتهم، مع أن المهنيين يثنون عليه وعلى طريقة اتخاذه للقرارات في الأزمة الأخيرة، لكن الجمهور يبقى شكّاكاً».
ورأى المعلق السياسي الرئيسي في صحيفة «هآرتس»، الوف بن، أن المصلحة الأمنية الإسرائيلية تقف وراء الصمت الإسرائيلي وعدم الإفصاح عمّا حصل في سوريا، مضيفاً إن «الصمت الرسمي للقيادة السياسية والأمنية في إسرائيل، رغم تراجع رئيس الحكومة ايهود أولمرت في الاستطلاعات والمظهر البطيء لوزير الدفاع إيهود باراك، يشير الى أن الاعتبارات الأمنية التي تحملهما على الصمت، هي أهم في نظرهما من محاولة قطف ربح سياسي وإعلامي فوري».
وأشار بن إلى وجود سيناريوهين متقابلين لانتهاء عملية الخرق الجوي مع سوريا. الأول، وهو سيناريو أقل ترجيحاً، أن تؤدي العملية الى تصعيد بين الجانبين، لكن في هذه الحالة «سيكون من الصعب اتهام أولمرت بالتسرع في الموضوع السوري، إذ في وسعه أن يعرض لمصلحته عملية اتخاذ القرارات والنقاشات الماراتونية التي جرت في لجنة وزارية خاصة». أمّا السيناريو المقابل، فيتعلّق بانتهاء التوتر و«عودة إسرائيل وسوريا الى وضعهما الاعتيادي فتقدم وسائل الإعلام علامات تقدير عالية إلى أولمرت وباراك على معالجتهما للأزمة، ما سيحسّن من المزاج العام الوطني ويبدّد حالة الإنهاك التي غرق فيها الكثير من الإسرائيليين في أعقاب الفشل العسكري في حرب لبنان الثانية».
من جهته، عبّر المعلق الأمني في صحيفة هآرتس، أمير أورن، عن خشيته من هشاشة الوضع السائد بين إسرائيل وسوريا، التي رأى أنها «ستبقى مخيّمة على الدولتين وستهدّد بالانفجار في أيّ لحظة»، مشيراً إلى أنه «رغم أن الحرب لم تندلع، إلّا أن إعلان الفرح بذلك ما زال مبكراً، لأنه لم تُحلّ أي مشكلة أساسية، وهناك حاجة إلى الحوار لا للصمت، من أجل التقدم نحو الحل».
أمّا المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، فطالب بالحذر من «إقدام سوريا على الثأر»، وشدّد على وجوب أخذ تهديداتها على محمل الجد والاستعداد لاحتمالات قد تقدم عليها «إذ قد تقوم سوريا، على سبيل المثال، وتحاول خرق السيادة الإسرائيلية من خلال التحليق في سماء إسرائيل لترميم كرامتها». لكنه أشار إلى أن «لسوريا تاريخاً من استخدام الإرهاب عبر مقاولين، وإذا كان الإيرانيون شركاء في هذه القصة، فبوسعنا توقّع عملية ردّ على شاكلة عملية إرهابية ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في العالم»، مشدداً على «وجود خلايا نائمة لحزب الله في أوروبا وفي جنوب أميركا وفي أفريقيا، التي يمكنها أن تحاول ضرب السفارات أو الشركات الإسرائيلية وما شابه».
ورغم التحذير من الثأر السوري، رأى فيشمان أن «السوريين غير جاهزين الآن، وهم لن يستخدموا استفزازاً يؤدي الى حرب شاملة، لكنهم في هذه الأثناء ولغاية جهوزيتهم العملياتية عام 2009 مع استكمال صفقات السلاح الكبرى من روسيا، يمكنهم أن يشجّعوا الإرهاب في المناطق (الفلسطينية المحتلة) ولا سيما من غزة، إلّا أنهم سيمتنعون عن إشعاله من لبنان لصعوبة ذلك بما أنه ليست لحزب الله حالياً مصلحة في ذلك».
وحاول المعلق العسكري في صحيفة «معاريف»، أمير بوحبوط، تسليط الضوء على الخرق الجوي الإسرائيلي من خلال طرحه مجموعة من الأسئلة، قائلاً «هل الرواية السورية صحيحة؟ وهل أقدمت إسرائيل بالفعل على اختراق المجال الجوي السوري؟ وهل قام سلاح الجو بالعمل داخل الأراضي السورية؟ وهل كان العمل ضرورياً في هذه المرحلة المتوترة؟». وأضاف إن «حجم الخطر يبدو كبيراً كي يدفع إسرائيل إلى المخاطرة والقيام بعمل قد يؤدي الى مواجهة سورية ـــــ إسرائيلية»، ليخلص إلى القول إن «ابتسامة أولمرت و(رئيس هيئة الأركان العامة غابي) أشكنازي، تعبّر عن كل شيء».
ورأى الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي غيورا ايلاند، في مقال نشره في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، أن «السياسة السورية الحالية هي نتاج للأحداث التي وقعت في العامين الأخيرين، إذ إنّه في عام 2005 اضطر السوريون إلى الانسحاب من لبنان بضغط دولي، وكانت اسرائيل مشاركة فيه من وراء ستار، بينما كان الحدث الأعظم عام 2006، بعدما خلص جزء من المسؤولين العسكريين السوريين إلى أنه يمكن الوصول الى إنجازعسكري ذي شأن في مواجهة اسرائيل»، مشيراً إلى أن «الصورة التي أعلنت دمشق من خلالها دخول سلاح الجو الإسرائيلي سماء سوريا ترمي الى تأكيد العدوان الإسرائيلي، وإذا ما أرادت سوريا المبادرة إلى إجراء عسكري ضد إسرائيل، فسيُسجّل الخرق الأخير بمثابة تحرّش إسرائيلي اضطرها إلى الرد».