يحيى دبوق
«تنظيم القاعدة أصبح الفاعل الأساسي ضد أيّ اتّفاق بيننا وبين لبنان ــ حزب الله»

اثار تقرير صدر حديثاً عن مركز «بيغن ـــــ السادات للدراسات الاستراتيجية» التابع لجامعة بن غوريون في إسرائيل، ما سمّاه «خطر تنظيم القاعدة والإسلام الراديكالي الجهادي السني» على الدولة العبرية، انطلاقاً من لبنان، في ضوء «الوضع الهش للحكومة اللبنانية»، ومحدودية القوة لديها على مواجهة هذا التحدي.
ورأى معد التقرير، الباحث في «المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في مركز هرتسيليا المتعدد المجالات»، المدير السابق لقسم التاريخ في الجيش الإسرائيلي، شاؤول شاي، إن «الخطر الراديكالي الشيعي (حزب الله)، ليس الخطر الوحيد الذي يهدد الاستقرار الهش للنظام السياسي اللبناني، بل أيضاً (خطر تنظيم) القاعدة المدعوم من السنة، والذي يمثّل تهديداً كبيراً» على لبنان. وأوضح أن "القتال الأخير بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام التابع للقاعدة في نهر البارد شمالاً، اضافة الى الهجمات على قوات اليونيفيل جنوباً، تعكس التحديات المتأتية من الإسلام الراديكالي السني على استقرار البلد والمنطقة، وخاصة مع قدرة الحكومة اللبنانية المحدودة على مواجهته».
وعرض التقرير البدايات التأسيسية لبروز «القاعدة» والمنظمات المرتبطة به في لبنان، راداً إيّاها الى «فترة ما بعد انتهاء الجهاد ضد السوفيات في أفغانستان». وأضاف إن «الراديكالية والتنظيمات الإسلامية في لبنان تنتمي الى المدرسة السلفية الجهادية التي شاركت في الأنشطة الإرهابية ضد أهداف غربية في لبنان، إضافة الى صراعها على السلطة اللبنانية".
أمّا في ما يتعلق باحتلال العراق عام 2003، فيضيف التقرير إنه «أعطى تنظيم القاعدة وغيره من تنظيمات الجهاد العالمي الفرصة للتسلل الى العراق، وبدء حربه المقدسة ضد قوات التحالف، ذلك أن «أبو مصعب الزرقاوي»، قائد القاعدة في العراق، وسّع من قدراته العملياتية الى بلدان أخرى في المنطقة من خلال استخدام أراضيها لبناء أرضية تسمح بعبور المجاهدين الى العراق أو كي يهدد او ينفذ عملياته الإرهابية»، مشدداً على أن «لبنان هو أحد البلدان الذي جرى استخدامه من جانب القاعدة لتجنيد المتطوعين لتنفيذ هجمات إرهابية ضد أهداف غربية في لبنان، والعمل منه ضد اسرائيل».
ورأى التقرير أن حرب تموز الماضي في صيف 2006، بين إسرائيل وحزب الله، أتاحت للقاعدة فرصة عرض دعمها لحزب الله والإعراب عن تضامنها مع الشعب اللبناني، لكن مع انتهاء الحرب، أصبح تنظيم القاعدة الفاعل الأساسي ضد الاتفاق بين لبنان ـــــ حزب الله، وإسرائيل»، مستشهداً بما قاله الرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري، الذي دعا في الذكرى السنوية الخامسة لهجمات الحادي عشر من أيلول الى عدم الإذعان للضغوط الغربية والى «الجهاد ضد اسرائيل والغرب، وأن القرار 1701 هو كارثة ويهدف الى الاعتراف بإسرائيل وعزل المجاهدين في فلسطين عن المسلمين في لبنان».
وشدد التقرير على أن سوريا، ومنذ حرب عام 2003 على العراق، وانسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005، «اعتمدت سياسة الدعم غير المباشر للتمرد الجهادي في العراق ولبنان، كجزء من مبادرة تهدف الى زعزعة استقرار النظام الجديد في الدولتين».
واختار التقرير عينات أساسية لتظهير مدى «الخطر» المتمثل في تنظيم «القاعدة» على الساحة اللبنانية، مشيراً الى المواجهة بين «فتح الإسلام» والجيش اللبناني، والهجمات على قوات «اليونيفيل»، إضافة الى الهجمات الصاروخية على اسرائيل، وزعزعة استقرار النظام السياسي الداخلي الهش في لبنان، معتبراً أن الهدف الرئيسي هو التوتير بين اسرائيل ولبنان.
ولجهة المواجهة مع «فتح الإسلام» شمالاً، يقول التقرير إن «بعض المسؤولين الأمنيين اللبنانيين يرون أنها مجموعة راديكالية فلسطينية لها صلات بالقاعدة، ذلك أنها متماثلة معها لناحية تكتيكاتها وايديولوجيتها»، لكنه شدد على أن «فتح الإسلام» هي أبعد من أن تكون ميليشيا فلسطينيّة مسلحة «فجزء من أعضائها فقط هو من الفلسطينيين، أمّا البقية فمن جنسيات دول إسلامية أخرى، بعضهم خاض حروباً في أفغانستان والعراق».
وبعد ما عرض الأسباب المباشرة للمواجهة الأخيرة مع تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد، وتطور الوضع الميداني وصولاً الى احتلال الجيش للمخيم، رأى التقرير أن «القتال كان الأسوأ داخلياً منذ الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975، ومثّل أكبر تحد لشرعية الحكومة اللبنانية».
ولجهة العملية الأخيرة التي استهدفت القوات الإسبانية العاملة في إطار «اليونيفيل» جنوباً، في الرابع والعشرين من حزيران الماضي، والتي لم يعلن أحد مسؤوليته عنها، ربط التقرير بينها وبين تنظيم «القاعدة» والمنظمات التابعة له، ذلك أن «أيمن الظواهري أشاد بهجوم 24 حزيران، ورأى أنه ردّ على القوات الغازية الصليبية التي كانت تحتل جزءاً عزيزاً من أرض الإسلام، وفي اليوم نفسه الذي بُث فيه حديث الظواهري، في 15 تموز، جرى تفجير عبوة استهدفت قوات اليونيفيل، لكن مع أضرار طفيفة، ويبدو أنها مرتبطة أيضاً بالقاعدة».
أمّا لجهة الهجمات الصاروخية على إسرائيل من الجنوب اللبناني، فعدد التقرير هجوم 27 كانون الأول 2005، الذي أُطلقت خلاله سبعة صواريخ «غراد» تجاه مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل، إضافةً الى هجوم 16 حزيران الماضي، بعد إطلاق ثلاثة صواريخ سقطت قرب كريات شمونة أيضاً، رادّاً «الهجومين الى تنظيم القاعدة، الذي لا يعلن في كثير من الأحيان مسؤوليته، إلا أنه يترك بصماته الدالة عليه»، مشيراً إلى أن «مصادر أمنية تعتقد أن كل الهجمات ضد اليونيفيل وإسرائيل هي جزء من مبادرة طويلة الأمد لتنظيم القاعدة وحلفائه لمحاربة الكفار على أرض لبنان، وفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل».



خلاصة واستنتاجات

أولاً: تعدّ الساحة اللبنانية بيئة مريحة نسبياً لعمل المنظمات الإسلامية المتطرفة التابعة لتنظيم القاعدة، مع ضعف الحكومة المركزية، والتنوع الديني والسياسي، إضافة إلى التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية.
ثانياً: يعدّ القتال بين «فتح الإسلام» والجيش اللبناني تهديداً خطيراً لاستقرار التركيبة السياسية اللبنانية الهشّة، ونتائج المواجهة ستؤثر كثيراً على هذه التركيبة وعلى استقرار المنطقة.
ثالثاً: خلّفت الحرب بين إسرائيل وحزب الله في تموز ـــــ آب 2006، والقرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة، وضعاً جديداً في لبنان. لكن في مقابل قبول حزب الله بالقرار، فإن «القاعدة» وحلفاؤها في لبنان غير معنيين بالالتزام به وبوقف إطلاق النار مع إسرائيل.
رابعاً: يرى تنظيم «القاعدة» ومؤيدوه في لبنان، أن البيئة الجديدة في هذا البلد هي فرصة سانحة لتوسيع نفوذهم وأنشطتهم ضد إسرائيل وقوات الأمم المتحدة وأهداف غربية أخرى في لبنان.
خامساً: جذبت التطورات الأخيرة في لبنان عناصر الجهاد إلى لبنان وسوريا، بحيث أصبحوا أكثر قرباً، من أي وقت مضى، من هدفهم الأساسي، إسرائيل.
سادساً: تحاول الحكومة اللبنانية القضاء على تنظيم «القاعدة» وبنيته التحتية في لبنان لسببين أساسيين:
ـــــ الخشية من توحد العناصر الإسلامية الراديكالية التي من شأنها أن تهدد استقرار البلاد.
ـــــ ضرورة اتخاذ خطوات تظهر الحسم ضد الإرهاب، وهي مسألة ذات أهمية خاصة في أعقاب الحرب الأميركية في العراق، وانسحاب القوات السورية من لبنان بعد الضغوط الأميركية عليها.
سابعاً: إن دخول لاعب جديد في جنوب لبنان (القاعدة)، باعتباره منطقة حساسة ومعقدة، هو عامل تخريبي كبير لكل الأطراف، وهناك مصلحة مشتركة في إيقافه.
ثامناً: إن قدرة الحكومة اللبنانية محدودة على مواجهة تحدي القاعدة. فنجاجها مرتبط بالدعم الدولي، وموافقة السلطات المحلية الأساسية هناك، مثل حزب الله والفلسطينيين.



بعض المسؤولين الأمنيين اللبنانيين يرون أن «فتح الإسلام» مجموعة راديكالية فلسطينية لها صلات بـ«القاعدة»، ذلك أنها متماثلة معه لناحية تكتيكاتها وايديولوجيتها. لكنها أبعد من أن تكون ميليشيا فلسطينية مسلحة، فجزء من أعضائها فقط هم من الفلسطينيين، أما البقية فمن جنسيات دول إسلامية أخرى، بعضهم خاض حروباً في أفغانستان والعراق