معاريف ـ عوفر شيلح
من الصعب أن نعرف. لكن عندما تُكتب سيرة صيف 2007، وهي ستُكتب فقط إذا حصل ما يتحدث عنه الجميع ولا يرغب أحد به، فقد نعرف حينئذ بصورة مؤكدة ما الذي حدث هنا. حتى ذلك الحين، يجدر بكل من يحاول إعطاء إشارات لما يحدث بين إسرائيل وسوريا أن يكون حذراً: هناك قدر كبير جداً من المعلومات المتناقضة والأمور المتعاكسة، بما في ذلك أمور تُقال في الغرف المغلقة. يجدر بمن يغامر بإعطاء نفسه صورة المثقف في هذه الفترة أن يتحدث بصوت منخفض وبكلمات بسيطة. نحن، ببساطة، لا نعرف ما يحصل.
الرواية الإسرائيلية الرسمية هي أننا لا نريد الحرب. السوريون لا يريدونها أيضاً. الجيش، في نهاية المطاف، يجري تدريبات من أجل إعادة بناء قدراته بعد حرب لبنان الثانية. أما في مقابل سوريا، فهو يتدرب على خطط ميدانية، لكنه لا يرى تهديداً بإمكان حصول هجوم سوري حقيقي. كما أن إسرائيل لا تنوي بالتأكيد المبادرة إلى هجوم. هذا يبدو منطقياً، فالحرب ستسبب فقط أضراراً هائلة للجانبين من دون أية جدوى. لكن منذ متى كان المنطق هو الفيصل؟!
تترافق عبارات الطمأنة مع سلسلة من الإشارات التحذيرية المختلفة والمتناقضة التي تبعث على البلبلة والحيرة. على سبيل المثال، الأجواء ساخنة داخل الجيش، كما يشعر ضباط القيادة الوسطى؛ فهؤلاء يتلقون من القيادة العليا إحساساً بأن الأمر لا يقتصر على تدريب وحسب. الساعة الكبيرة التي رسمها رئيس هيئة الأركان، غابي اشكنازي، فوق التدريبات وبلورة الخطط الميدانية لم تجعلها تبدو لقادة الوحدات الميدانية مجرد مناورات نظرية تهدف فقط إلى استعادة قدرات الجيش المفقودة. بعضهم يخرجون من غرف المداولات مع شعور بأن قادتهم في الأعلى يستشعرون خطراً حقيقياً.
في الصيف الماضي، قرر الجيش الاعتماد كلياً على شعبة الاستخبارات العسكرية حتى تعلمه إذا كان السوريون ينوون الشروع في حرب. بلغ الاعتماد درجة أن الحكومة لم تناقش إطلاقاً قضية استدعاء قوات الاحتياط المطلوبة لحماية هضبة الجولان، كما أن الجيش لم يطرح القضية للتداول. الفِرق الأساسية المخصصة لهذه المهمة لم تُستدعَ، أو أنها استُدعيت في أواخر الحرب وأُرسلت إلى لبنان. من الممكن الاختلاف مع هذه السياسة، لكنها على الأرض أثبتت نفسها: توقعات الاستخبارات تحققت ولم تدخل سوريا الحرب.
هل يمكن الاطمئنان إلى ذلك اليوم؟ الجواب هو لا. في عام 1973 أيضاً كانت لدينا صورة استخبارية جيدة، ونحن جميعاً نعرف ما آلت إليه الأمور في حينه. في وضع يوجد فيه الجيشان في حالة جهوزية، يمكن لتغيير الوجهة السياسة أن يحدث خلال فترة قصيرة جداً لدرجة لا تتمكن فيها الجهات المعنية من توجيه إنذار مبكر.
يبدو أن رصدنا لقدرات العدو هو الذي يحركنا بالدرجة الأولى. سوريا تتسلح بالفعل، وخصوصاً بأسلحة هجومية ودفاعية. إسرائيل كانت مصابة دائماً بفكرة استحواذية عن قدرات العدو، مفادها أن المسدس الذي يُلقم سيستخدم لإطلاق النار في نهاية المطاف. إذا كانت الجهات التي تتابع عملية التسلح السورية عندنا قد توصلت إلى أن القدرة التدميرية الموجودة بحوزة السوريين بلغت حداً معيناً، فإنها ستستنتج أن الأسد ذاهب نحو الحرب، وليقل المنطق ووسائل الاستشعار ما تقوله.
في نهاية الصيف سنعرف إذا كان المنطق قد نجح في إنقاذنا هذه المرة، وقد نتفرغ حينئذ لنعرف بالضبط ما الذي وقف من وراء ضباب الحرب. هذا إن لم نكن آنذاك مشغولين بإخلاءات مغايرة تماماً.