حيفا ــ فراس خطيب
جاء القرار الإسرائيلي الأولي، أول من أمس، لمنع تملّك فلسطينيي 48 «لأراضيهم» ليزيد غربتهم داخل بلادهم المسلوبة، فالقرى العربية تعاني أصلاً من الاكتظاظ وضيق المساحة، والأراضي باتت نادرة وأسعارها مرتفعة بصورة هستيرية. والحلول للاكتظاظ، التي كانت مفقودة، باتت لا أمل بوجودها بفعل صيغة القانون الجديد


العنصرية الإسرائيلية تجاه فلسطين 48 تطال الحياة اليومية بكل أبعادها، ويأتي قانون منع التملك، الذي صادق الكنيست أول من أمس عليه بالقراءة الأولى، ليشرعن أحد أوجه هذه العنصرية.
فالدولة الإسرائيلية تملك 93 في المئة من مجمل الأرض التي احتلتها في نكبة 1948، واستولت على جزء آخر من خلال سياسة المصادرة المستمرة حتى الساعة. وتُقسّم الأراضي المملوكة للدولة على ثلاث مؤسسات حكومية بالأصل، تسير حسب سياسة الحكومات المتعاقبة لخدمة هدف «يهودية الدولة»؛ وهي «سلطة التطوير»، و«الصندوق الدائم لإسرائيل» (كيرن كاييمت)، و«أراضي الدولة». وهي شركات تدار على أيدي «دائرة أراضي إسرائيل» الحكومية.
والقانون الجديد، الذي قدّمه عضو الكنيست اليميني أوري أرئيلي من «هئيحود هليئومي»، يمنع «كيرن كاييمت»، التي تملك 13 في المئة من «أراضي الدولة»، من بيع أو تأجير أو تضمين أراضيها لـ«غير اليهود»، علماً بأنّ هذه الأراضي، بحقيقة الأمر، هي أملاك الغائبين الفلسطينيين وأراضي المشاع التي صودرت من أصحابها العرب.
المصادقة على هذا القانون لم يكن مفاجئاً، فهو تحصيل حاصل، لأنّ «كيرن كاييمت» لا تبيع ولا تُؤجر ولا تُضمّن العرب. لكنَّ ما سيفعله القانون هو «إضفاء شرعية» على الممارسات العنصرية التي يتبعها «الصندوق الدائم لإسرائيل»، المقام منذ عام 1901، وخصوصاً أن العرب ممنوعون من اقتناء الأراضي بحجج مختلفة. اليوم لم يعد هناك حاجة للحجج.
وتوضح المحامية سهاد بشارة، من مركز عدالة، لـ«الأخبار»، أنّ القانون هو «قانون حصري لإسرائيل»، مشيرة إلى أنّ هذه القوانين ليست موجودة ولا في أي دولة في العالم وهي أقرب إلى قوانين الابرتهايد في جنوب أفريقيا. وأعلنت عن توجه المركز إلى القضاء الإسرائيلي لمنع المصادقة على القانون بالقراءة الثالثة التي تمنحه الصفة النافذة.
القانون ليس غريباً، بل سبق للسلطات الإسرائيلية أن قامت بممارسات تصب في الهدف نفسه، حيث أعلنت «كيرن كاييمت» عن هذه النوايا من دون الحاجة إلى القراءة التمهيدية. ويذكر أن «دائرة أراضي إسرائيل» قررت «في عام 2004 إلغاء مناقصة لبيع الأراضي في كرمئيل بعد فوز عرب فيها، وحجب مناقصة أخرى لمنع العرب من المشاركة فيها».
خمسة أضعاف أراضي العرب
تملك «كيرن كاييمت» نحو 2.5 مليون دونم. وتتألف من أراضٍ اشتراها يهود قبل النكبة، وأخرى منحتها إياها الدولة العبرية بعد قيامها. فقد منحت الدولة هذا الصندوق مليون دونم في عام 1949 ومليوناً آخر في 1953. وتأتي معظم ميزانية هذه المنظمة من الحكومة الإسرائيلية.
وهكذا، باتت «كيرن كاييمت» تمتلك ما يساوي خمسة أضعاف ما يملكه كل الفلسطينيين في الداخل مجتمعين بعد مصادرة 80 في المئة من أراضيهم منذ النكبة.
ويتطرق القانون الإسرائيلي الجديد في قراءته التمهيدية إلى «كيرن كاييمت»، باعتبارها الجسم الحكومي الأكبر الذي يملك الأراضي في الجليل والمركز، حيث القرى والمدن العربية. ولعل مقترحي القانون، شدّدوا خفية على هذا من أجل الحد من توسع العرب في تلك المناطق وتحويل القرى العربية في المناطق الفلسطينية إلى «غيتوهات» محاصرة ولا مجال للتطور أو النهوض بها، تحيطها مستوطنات يهودية تتمتع برغد العيش والمساحات على حساب الأراضي العربية. في المقابل، تعاني القرى من الخنق والاكتظاظ والأفق المسدود، كما هو حاصل في غالبيتها.
وكانت فكرة إنشاء «كيرن كاييمت» قد سبقت إنشاء «الدولة». ففي عام 1897، في المؤتمر الصهيوني الأول، طرحت الفكرة من أجل إقامة «صندوق قومي للشعب اليهودي» من أجل شراء الأراضي. وفي المؤتمر اليهودي الخامس، في عام 1901، تمَّ الإعلان رسمياً عن «الصندوق الدائم لإسرائيل»، وظيفته شراء أراضٍ لخدمة الاستيطان اليهودي. هذا الصندوق، حتى إذا اعتبرته الدولة مستقلاً، هو جزء لا يتجزأ من السياسة الإسرائيلية من حيث مصادرة الأراضي، من خلال شركة «هيمنوتا»، التابعة لها، والتي تعمل في الخفاء لشراء الأرض في الجليل والمثلث والنقب والقدس والضفة الغربية.
وأشار النائب جمال زحالقة عن «التجمع الوطني الديموقراطي» أمس إلى أن من واجب فلسطينيي 48 «وواجب كل وطني غيور، أن نشن حملة ضد نشاط هذه الشركة وإغراءاتها وضد عملائها من المحتالين والخونة العرب»، موضحاً أن «نشاط الكيرن كاييمت في السر لا يقل خطورة عن القانون العلني الجديد».
وأشار زحالقة إلى أن «هناك غالبية عنصرية في الكنيست الإسرائيلي قابلة لإمرار أي قانون أو إجراء ضد المواطنين العرب، وقد أقرت هذه الغالبية في الفترة الأخيرة سلسلة قوانين تميز بين العرب واليهود، تنجح هي وأصحابها في امتحان العنصرية وتسقط سقوطاً مدوياً في امتحان جوهر الديموقراطية والمساواة بين المواطنين».
ويحذّر النائب حنا سويد، من الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، من أنّ القانون الإسرائيلي «خلق حالاً من شرعنة الممارسات الموجودة أصلاً».
سخنين مثالاً
لا تزال القرى العربية الخاسر الأكبر. الدولة تسلب الأراضي وتمنع توسع القرى العربية. الاكتظاظ يبدو واضحاً مثلاً في مدينة سخنين في الجليل الأسفل. الطلب على الأراضي دائماً في أوجّه، ولا يمكن لأسعار الأرض أن تنخفض. هي من أبرز المدن الفلسطينية في الداخل، عانت الكثير من المصادرات وسياسات الانتهاك. كانت تتمتع بمساحة تقدّر بـ 60 ألف دونم، لكنّها اليوم لا تملك سوى تسعة آلاف دونم، تشمل 5 آلاف دونم للمسطح ويسكنها 30 ألف نسمة.
سخنين مدينة مغلقة ومحاطة بمناطق صناعية وأراضٍ صودرت لأغراض عسكرية. يحيطها المجلس الاستيطاني الإقليمي «مسجاف»، الذي يسكنه 18 ألف يهودي، يتمتعون برغد العيش على منطقة نفوذ تساوي 200 ألف دونم. لا يمكن للعرب العيش فيه، فمن غير المسموح تأجيرهم أو تضمينهم أو منحهم حق السكن أو البناء في تلك المناطق.
وهذه الحال تنطبق على غالبية القرى والمدن العربية. ففي حين يشكّل السكان العرب 72 في المئة من مجمل سكان الجليل، فإن مناطق نفوذ السلطات المحلية العربية هي 16.1 في المئة. وفي المقابل، تصل نسبة مناطق نفوذ السلطات المحلية اليهودية إلى 83.8 في المئة من الأراضي في حين أن نسبة السكان اليهود في هذه المنطقة هي 28 في المئة. ولا يختلف الوضع في النقب الشمالي حيث مناطق نفوذ السلطات العربية 1.9 في المئة، بينما نسبة السكان العرب في المنطقة هي 25.2 في المئة.