هآرتس ــ ألوف بن
إيهود أولمرت يعاني مشكلة. هو يجد صعوبة في إقناع الجمهور الإسرائيلي والأسرة الدولية بأن حكومته تنوي بصورة جدية التوصل الى تسوية سياسية مع الفلسطينيين، والدفع في المقابل في اتجاه الانسحاب من المناطق وإخلاء المستوطنات.
ولديه مشكلة أخرى: بعد أكثر من عام ونصف عام في المنصب، ليس لديه الكثير مما يُظهره. صحيح أن الاقتصاد في وضع ممتاز، إلا أن النجاح يُنسب لبنيامين نتنياهو. أما هو فيذكرون له الحرب غير الناجحة وغير الشعبية في لبنان، وتقرير فينوغراد وتقرير شاحك وتقرير مراقب الدولة، فيما التقدير السائد هو أنه يستنفد الوقت في الحكم وأنه مشغول ببقائه الشخصي والسياسي. هذه ليست «تركة» يمكن أحداً التفاخر فيها.
في باحة رئيس الوزراء، يتزايد الاعتقاد بأن لا بديل من المبادرة السياسية الاسرائيلية التي يمكنها أن تُخلّصه من الضائقة التي يعانيها في الرأي العام وتضع بصماته على تاريخ الدولة. وإن كان الجدل في الأوساط الشعبية قد بدأ، فمن الأفضل أن يدور حول اتفاق سلام وانسحاب من المناطق لا حول فضائح التحقيقات الجنائية التي تجري معه. من الأفضل له السقوط على سيفه كمن يكافح من أجل مستقبل الدولة، لا تلقّي الإهانات كمتورط في صغائر الأمور.
أولمرت لم يبتدع هذا الاختراع. سبقه إليه أرييل شارون، الذي قرر الانسحاب من غزة في ساعة الضيق السياسي والعزلة الدولية المتزايدة والتحقيقات الجنائية. من اللحظة التي اختار فيها شارون فك الارتباط، تراجعت التحقيقات والإعلام والجمهور ووقفوا كلهم من خلفه.
وضع أولمرت أكثر راحة من سلفه الذي أقام المستوطنات وأصر حتى اللحظة الأخيرة تقريباً على أن نتساريم بأهمية تل أبيب. أولمرت صعد الى سدة الحكم مع وعد بالانسحاب من غالبية الضفة الغربية وإخلاء أغلبية المستوطنات. لا يمكن أحداً أن يتهمه بأنه قد غيّر جلده وخان أنصاره مثلما فعل شارون. قبل الانتخابات، ومع بدء حكومته بمهمتها، أوضح أولمرت أن الانطواء هو حبل الخلاص للصهيونية. ليس هناك شيء يحبه أولمرت أكثر من الإشارة الى إصراره وثباته.
إن الظروف الخارجية تميل اليوم لمصلحة العملية السياسية. بعد عام ونصف عام من الجمود الدبلوماسي في مواجهة حكومة «حماس»، هناك مرة أخرى من يمكن التفاوض معه في السلطة الفلسطينية. محمود عباس وسلام فياض يدركان، مثل أولمرت، أنهما إذا لم يسارعا الى التسوية، فسرعان ما سيغيبان في الأعماق. الرئيس جورج بوش، وطوني بلير، ومصر والأردن مستعدون لمد اليد من الخارج، كل لدوافعه.
اقتراح أولمرت لتسوية مبدئية حول دولة فلسطينية يحل له مشكلات عديدة دفعة واحدة:
أولاً: هو يأخذ زمام المبادرة والريادة من خلال ذلك ويُملي جدول الأعمال السياسي والشعبي ويسعى الى تغيير الواقع.
ثانياً: المبادرة تعزز الرسالة بأن إسرائيل ترغب في التسوية وليست مشغولة فقط في البحث عن ذرائع للبقاء في المناطق.
ثالثاً: ذلك يُعتبر استجابة للمطالب الدولية بإعطاء «أفق سياسي» للمعتدلين الفلسطينيين.
رابعاً: أولمرت رغب في التنازل عن الأرض أيضاً في إطار الانسحاب الأحادي الجانب. إن أخذ توقيع محمود عباس على الصفقة، فسيحصل في المقابل على البضاعة التي كان مستعداً لإعطائها بالمجان.
خامساً: الاتفاق الذي يقترحه يتركز على تغيير الواقع في الضفة وغزة ويضع في هذه الأثناء جانباً قضية اللاجئين التي لا يعتبر حلها شرطاً ضرورياً لإقامة دولة فلسطينية.
سادساً: بلورة التفاصيل وتنفيذ التسوية ينطويان على مصاعب غير بسيطة للطرفين ويمكن أن يُتركا لمرحلة المصادقة على اتفاق المبادىء من خلال انتخابات فلسطينية والتصويت في الكنيست. المغزى هو أن وقتاً طويلاً سيمر بين مراسم التوقيع وإخلاء المستوطنين، ومن الممكن استغلال ذلك لحشد التأييد الشعبي وعزل المعارضين.
سابعاً: لا يمكن تجاهل الإيجابيات السياسية والشخصية المتوقعة لرئيس الوزراء، إذ بدلاً من محاولة إقناع الناس بأن حرب لبنان كانت ناجحة والاصطدام بجدران من عدم الإنصات، يجدر به الاستجابة لرغبة الأغلبية الحاسمة من الشعب، التي تؤيد تقسيم البلاد وإقامة دولة فلسطينية. إذا عبّر عن الصدقية، فربما سيرتفع رصيده في الاستطلاعات أيضاً، وسيظهر ترشيحه لنفسه، كما أعلن عنه، لولاية إضافية في مواجهة نتنياهو وإيهود باراك، جدياً وصاحب فرصة في النجاح.