strong>محمد بدير
«الوهم»، كانت الكلمة الفارقة في المقالات العبرية التي تطرّقت إلى استحقاق غزة أمس. وهم إمكان الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين الأخير وإسرائيل، ووهم الرهان على حكومة الطوارئ الجديدة لمعالجة المشكلة. غزة، في الصحافة العبرية، تبدو معضلة من دون حل

رأى مراسل «هآرتس» في واشنطن، شموئيل روزنر، أن الوقود المحرك لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى الولايات المتحدة كان التطلّع إلى فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة. إلا أن روزنر رأى أن هذا الطموح ليس أكثر من وهم، سيتبدّد مع انقضاء فصل الصيف، مشيراً إلى أنه «ما من محلّل مخضرم أو طرف مطلع على المجريات يعتقد بإمكان فصل مصير الضفة عن مصير غزة ضمن الصيغة التي يجري الحديث عنها الآن». ولا يتردّد المراسل الإسرائيلي في وضع المشهد الأميركي الإسرائيلي في سياقه الصحيح بعيداً عن التكاذب الإعلامي والسياسي؛ فبرأيه «ما قيل هذا الأسبوع (قمة بوش أولمرت) لم يكن إلا تنكراً يخفي ضائقة صعبة: أي معتدلين، وأية دولة، وأية رؤية وأية ديموقراطية. هذا كله مسرحية وتمثيل». ويوضح الكاتب ما يعنيه قائلاً «إن بوش نفسه لديه شكوك كثيرة في شأن عباس وإمكان إعادة إحياء السلطة، لكنه قرر أن الصراع حول الوضع الفلسطيني المستقبلي ليس إلا قطعة في لوحة بازل كبيرة ومقعدة ــــــ تمتد من العراق إلى لبنان ففلسطين. إن عباس بالنسبة إلى بوش ليس مجرد رئيس فلسطيني براغاماتي يحارب من أجل ترميم وإصلاح أحوال شعبه، وإنما هو أحد السدود التي تقوم بمهمة كبح تفشي التطرّف في الشرق الأوسط».
ومن وهم فكرة فصل غزة عن الضفة إلى وهم الاعتقاد بإمكان الفصل بين غزة وإسرائيل «الذي يأسر خيال الإسرائيليين بوتيرة متلازمة جداً»، بحسب رأي وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه آرنز. وتحت عنوان «لن يتوقّفوا عند حدود غزة»، كتب آرنز في «هآرتس» قائلاً «إن سيطرة حماس على قطاع غزة ليست مجرد عامل مؤثر على مستقبلنا، بل إنه ما من شك أن السياسات الإسرائيلية غير السليمة تتحمّل جزءاً كبيراً من مسؤولية ما يحدث هناك». ويرى آرنز أن هذه السياسات «بدأت مع اتفاقات أوسلو واستمرت عبر قرار إيهود باراك الانسحاب من جنوب لبنان...ولم يعد يقتصر النظر إلى إسرائيل، بوصفها كياناً لا يزيد على كونه بيتاً للعنكبوت وغير قادر على مقاومة الإرهاب، على (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله وحده، بل أدى هذا التصور إلى اندلاع انتفاضة الأقصى بالتنسيق بين فتح وحماس». ويخلص وزير الدفاع السابق إلى أن «حكومة إسرائيل أخطأت مرة تلو الأخرى في تقديرها لرد فعل العرب على الخطوات الإسرائيلية الهادفة الى تخفيف التوتر في المنطقة وتقريب العرب من أهدافهم كما تراها إسرائيل. فبالنسبة إلى أولئك الذين لا تقف أهدافهم عند أية حدود، ويرغبون في تدمير اسرائيل، يُعدّ الاقتراب من الهدف كما يرونه هم، تشجيعاً وحافزاً فقط لتكثيف صراعهم ضد إسرائيل».
ويتواصل حديث الوهم في الصحافة الإسرائيلية ليحطّ رحاله عند المراهنة على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس وعلى حكومة الطوارئ الجديدة بوصفهما شريكاً محتملاً في السلام مع إسرائيل. فأبو مازن وحكومته، برأي الكاتب في «هآرتس»، يسرائيل هارئيل، يعكسان في الحقيقة «الأوهام الإسرائيلية والأميركية والأوروبية»، ولا يعدّان ممثلين للفلسطينيين حتى في الضفة الغربية. ويدعم هارئيل فكرته بالأرقام فيلجأ إلى نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي توضح أن «حماس انتصرت بشكل جارف فيها: ففي رام الله حصلت على 4 مقاعد في مقابل مقعد واحد لفتح، وفي نابلس 4 في مقابل 2، وفي الخليل 9 في مقابل صفر، وفي القدس 4 في مقابل 2 لفتح، وفي المحصّلة حصدت في الضفة الغربية 30 مقعداً في مقابل 12 فقط لفتح». وبالتالي، يضيف هارئيل، فإن «أتباع أبو مازن خسروا الصراع ليس لأن حماس أقوى منهم وأشدّ بأساً أو أفضل تدريباً. لقد انتصرت حماس لأن الغالبية المطلقة من سكان غزة تؤيدها. وكما أظهرت الانتخابات الفلسطينية، فإن هذه حال الغالبية في الضفة الغربية أيضاً، وهي المنطقة التي يتحدث عنها المحلّلون السياسيون الإسرائيليون باعتبارها «فتح لاند». وتأسيساً على هذه المقاربة، يطلق هارئيل صافرة الإنذار محذراً من أن «حماس ستنتصر على فتح في كل الأحوال، وعلى إسرائيل أن تعدّ نفسها جيداً لهذه المواجهة، وعليها أن تتعلّم العبر من الأحداث الأخيرة التي أظهرت أن الدحلانيين بشتى أصنافهم عبء، وليسوا نافعين في مثل هذه المواجهة». ويختم هارئيل بالتشديد على أن «الأوان قد آن للتوقف عن إخفاء الحقيقة عن الجهمور وعن السياسيين: أبو مازن هو وهم وليس من الممكن إنقاذه».
وفيما اكتفى الكتّاب الثلاثة بتشخيص الحالة وانتقاد الحلول المقترحة لعلاجها، خصّص الكاتب المستشرق، غاي باخور، مقالته في «معاريف» للتنظير في كيفية مواجهة معضلة غزة من زاوية تقاذفها بين إسرائيل ومصر. ويرى باخور أن القطاع «يشبه اليوم حاوية ماء كبيرة مع فتحتين صغيرتين على جانبيها، تسدّ إحداهما إسرائيل والأخرى مصر»، ويضيف «إنها معركة استنزاف نتائجها تاريخية، وأول من يتراجع ويسحب إصبعه ولو للحظة، سيندفع الماء باتجاهه على الدوام». ويتابع الكاتب «اليوم لا أحد يريد المسؤولية عن قطاع الموت هذا...وإذا عدنا نحن إلى تحمّلها في هذه المنطقة التي يسيطر عليها التطرف العالمي، فإن هذا يعني أن عملية فك الارتباط الأليمة كانت عبثاً».
أما بالنسبة إلى مصر، فيرى باخور أن الوهم، مرةً أخرى، الذي منّى المصريون أنفسهم به بإمكان تحلّلهم من المسؤولية عن القطاع بذريعة سيطرة فتح عليه لم يعد قائماً. ولذلك، وبنغمة حرص مزعوم على مصر، يخلص الكاتب إلى دعوة المصريين إلى عدم «الشك في أن سلطة الإرهاب في غزة ستنعكس على كل شبه جزيرة سيناء، وعلى القاهرة نفسها. ولذلك يجب ألّا يسمحوا بتدفق السلاح إلى غزة وأن يبادروا إلى التدخل هناك أكثر فأكثر. وليس ذلك لمصلحة إسرائيل فقط، ولست أتوقّع منهم أن يفعلوا ذلك من أجلنا، بل من أجلهم ومن أجل نظام حكمهم قبل كل شيء».