كشف الصحافي الإسرائيلي أوري دان، أحد أكثر المقربين من رئيس الوزراء السابق، أرييل شارون، عن تفاصيل تنطوي على أكثر من تلميح إلى أن إسرائيل تقف وراء اغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات
يقول أوري دان، في كتابه «أسرار شارون» الذي صدر أخيراً في إسرائيل، إنه «فقط في 14 نيسان 2004 نجح شارون بالتحرر من تعهده لـ (الرئيس الأميركي جورج) بوش، الذي أطلقه في آذار 2001، بعدم التعرض لعرفات».
وخلال لقاء في البيت الأبيض، قال شارون لبوش، بحسب دان، إنه «لا يعتبر نفسه ملتزماً بذلك الوعد الذي نجح الرئيس الأميركي في الحصول عليه منه أثناء لقائهما الأول»، عندما فاز حزب الليكود بالانتخابات العامة وشكّل زعيمه حكومته الأولى.
وبحسب دان، الذي رافق شارون في الكثير من سفراته، وبينها زيارة البيت الأبيض في نيسان 2004، فإن بوش رد على شارون قائلاً إنه «ربما من الأفضل إبقاء مصير عرفات بأيدي قوة عليا، بأيدي الله»، فأجاب شارون «ربما يجب أحياناً مساعدة الله».
وتابع دان ان بوش «لم يسقط عن الكرسي» لدى سماعه أقوال شارون وعزمه الواضح على اغتيال الرئيس الفلسطيني، لكنه لم يمنح شارون أبداً ضوءاً أخضر لتصفية عرفات، وفي المقابل لم يفرض عليه عدم التعرض للزعيم الفلسطيني. وقد شعر شارون في ذلك الحين «وكأنه تحرر من عبء ثقيل»، وخصوصاً أنهما كانا قد تفاهما في لقائهما الأول على ألا يفاجئ أحدهما الآخر.
وكشف، دان في كتابه، عن أن الجيش والاستخبارات الإسرائيليين كانا قد أعدّا خطة للقبض على عرفات، الذي كان محاصراً في مقره في المقاطعة في رام الله، بأمر من شارون، بعد عملية استشهادية وقعت في أيلول 2003، لكن تسريبات من جانب موظفين وسياسيين إسرائيليين لمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية حالت دون تنفيذ الخطة.
وردد شارون مرات عديدة في أذن دان أنه «أتمنى أن أكون قائد سَرية أو كتيبة عسكرية وأرغب في تسوية الأمر في المقاطعة بنفسي».
ولفت دان إلى أن مسؤولين في الإدارة الأميركية، وخصوصاً وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، كانت تطالب في كل مرة اقتربت فيها القوات والجرافات الإسرائيلية من المقاطعة بعدم التعرض بأذى لعرفات.
لكن في إحدى المحادثات بينهما، وبعدما كرر دان السؤال لماذا لا يتم القبض على عرفات أو قتله، قال له شارون «دعني أعالج الموضوع بطريقتي يا أوري».
وقبل أسبوع من وفاة عرفات في أحد مستشفيات باريس، كان دان قد أيقن أن الرئيس الفلسطيني مشرف على الموت، وكتب في مقال نشره في صحيفة «معاريف» في 4/11/2004: إن «كتب التاريخ ستذكر رئيس الوزراء أرييل شارون كمن اغتال ياسر عرفات من دون أن يقتله».
وأضاف دان، في السياق نفسه، إنه خلال عام 2005، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي فرنسا والتقى الرئيس جاك شيراك. وبعد وقت قصير من انتهاء اللقاء، وجه دان سؤالاً لشارون بعد عودته إلى الفندق الذي نزلا فيه «هل من الجائز أن يكون موت ياسر عرفات، الذي حظي بدعم ورعاية فرنسا، قد ساهم في أن يفرش لك شيراك بساطاً أحمر عندما التقاك في الإليزيه»، فرد على ذلك بالقول «لا يجب علينا الانشغال بالتاريخ. من الأفضل أن ننشغل بالمستقبل... هذا (موضوع) يتعلق بالماضي».
ويخصص دان فصولاً في كتابه للحديث عن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، فيكشف أن شارون كان يعدّ للحرب قبل أشهر من شنها، رغم تذرع إسرائيل الرسمي بأنها جاءت رداً على محاولة اغتيال سفيرها لدى لندن، شلومو أرغوف.
وأفاد دان بأن شارون، الذي كان وزير الدفاع في حكومة مناحيم بيغن الثانية، اقترح عليه في أيلول 1981، أي قبل تسعة أشهر من محاولة اغتيال أرغوف، أن يشغل وظيفة مستشاره الإعلامي. وقد برر شارون هذا العرض بأنه «من المتوقع أن نخرج إلى حرب في لبنان ويمكنك أن تساعدني فقط كموظف رسمي».
وقبل أسبوع من وقوع مجزرة صبرا وشاتيلا، اغتيل الرئيس بشير الجميّل في مكتبه في بيروت. وكتب دان أن «مواطناً لبنانياً أرسلته الاستخبارات السورية هو الذي وضع القنبلة في مكتب بشير الجميّل وفجّرها عن بعد في اللحظة التي عرف فيها أن بشير يجلس في مكتبه».
وبحسب دان، فإن علاقة بشير الجميّل بإسرائيل بدأت منذ عام 1976 عندما حضر للمرة الأولى إلى تل أبيب، ومنذ ذلك الحين توطدت العلاقات بين الجانبين وكلفت إسرائيل أفراداً من جهاز الموساد وضباطاً من الجيش الإسرائيلي بتدريب قوات الكتائب اللبنانية، وأن «الموساد هو أبو الكتائب وأمها».
وأضاف دان ان عدداً من القادة الإسرائيليين، بينهم بيغن وشارون، وجهوا انتقادات للكتائب عموماً ولبشير الجميّل خصوصاً لأنهم لا يتعاونون مع الجيش الإسرائيلي، لا أثناء حملة الليطاني في جنوب لبنان في عام 1978 ولا أثناء غزو لبنان في 1982، في محاربة قوات المنظمات الفلسطينية في لبنان.
وغداة اغتيال الجميّل، توجه شارون يرافقه دان إلى بلدة بكفيا لحضور «سلسلة اجتماعات» مع عائلة الجميّل وضباط الجيش الإسرائيلي.
وتحدث شارون، خلال هذه الاجتماعات، عن «تخوفه» من أن يقوم أكثر من ألفي مقاتل فلسطيني، كانوا لا يزالون في بيروت الغربية بعد خروج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها من بيروت، باستغلال الوضع بعد اغتيال الجميّل لشن هجمات.
وأمر شارون الجيش الإسرائيلي بأن يزج بقواته باتجاه بيروت الغربية، فيما قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي رفائيل ايتان، خلال الاجتماع مع قيادة الكتائب، إنه بسبب مقتل مئات الجنود الإسرائيليين خلال اجتياح لبنان فإنه يجدر «أخيراً» أن تنضم الكتائب إلى الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
وقال دان، في كتابه، إن شارون كان يتطلّع، من خلال محاربة المقاتلين الفلسطينيين في المخيمات، إلى ألّا يتم تدمير «الإنجازات التي حققتها إسرائيل في لبنان»، وقد مرر تحذيره هذا إلى الإدارة الأميركية.
وبعد أيام قليلة من الاجتماع في بكفيا، دخلت قوات الكتائب اللبنانية إلى مخيمي صبرا وشاتيلا واقترفت المجزرة، فيما القوات الإسرائيلية كانت منتشرة عند حدود بيروت الغربية.
ومع بدء الكشف عن هول المجزرة، بدأ دان يتلقى اتصالات من مراسلي وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية الذين وجهوا إصبع الاتهام لشارون. وهاتف دان شارون، الذي كان في منزله يقضي عطلة رأس السنة العبرية، فردّ عليه بالقول إن «الجيش الإسرائيلي لم يدخل إلى هناك بتاتاً ويجري فحص ما الذي حدث هناك» في المخيمات الفلسطينية.
كما رفض شارون اقتراح دان بتشكيل لجنة تحقيق وادّعى أن لا علاقة له بالمجازر.
ورغم أن العالم كله كان يرى المشاهد المروّعة للمجزرة على شاشات التلفاز، صرخ شارون بدان «دعني أرتح قليلاً بالعيد، وقد أصدرت التعليمات المناسبة... رئيس الأركان سيردّ على الأسئلة وإذا كانت هناك ادّعاءات ضد الحكومة فإن العنوان هو مناحيم بيغن».
(يو بي آي)