حيفا ــ فراس خطيب
تابعت صحيفة «يديعوت أحرونوت» روايتها للسياق التاريخي للمفاوضات السورية الاسرائيلية، ونهايتها الرسمية خلال اللقاء الشهير بين الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في جنيف

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنه بعد مقتل إسحق رابين، تولى شمعون بيريز رئاسة الحكومة الإسرائيلية وتجدّدت المفاوضات السورية ــ الإسرائيلية في قمة «واي بلانتيشن» في ولاية ميرلاند الأميركية في كانون الثاني عام 1996.
ضمّ الوفد الإسرائيلي كلاً من مساعد بيريز، أوري سبير، والجنرال عوزي ديان، والمستشار القضائي لوزارة الخارجية يوئيل زينغر، والسكرتير العسكري لرئيس الوزراء داني ياتوم، الذي كان دوره مركزياً في عهد رابين.
وذكرت الصحيفة أن الرؤية الإسرائيلية للمفاوضات تغيّرت، مشيرة إلى أنّ بيريز لم يخف تحفظاته على مسارها، ونظر إليها من زاوية أخرى، اشتملت على جوانب اقتصادية.
وصل الوفد الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة حاملاً «حلولاً إبداعية» أثارت شكوك السوريين، وهو ما أفشل الدورة التفاوضية، التي قرر بيريز بعدها، وانسجاماً مع الأوضاع الإسرائيلية الداخلية بعد مقتل رابين، الذهاب لانتخابات إسرائيلية.
وقالت الصحيفة إن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد فهم بأنَّ هذه الخطوة ستعوق إجراء المفاوضات وستؤجلها لأشهر عديدة. وأضافت ان «هذه الخطوة أثارت غضب الأسد». وادّعت أن الرئيس السوري الراحل سمح من بعدها «بزيادة عمليات الجهاد الإسلامي من دمشق وحزب الله من لبنان».
خسر بيريز رئاسة الوزراء، وانتخب بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة في حزيران 1996. وقالت الصحيفة إنّ فترة نتنياهو امتازت بالتناقض بكل ما يخص الموضوع السوري ــ الإسرائيلي.
أراد نتنياهو التفاوض والحفاظ على سرية هذه المفاوضات التي بدأها رابين وأكملها بيريز. أوفد نتنياهو ياتوم (الذي شغل منصب رئيس الموساد في عهده) إلى واشنطن للقاء السوريين. رفض الأسد، بحسب الصحيفة، لقاء ياتوم وجهاً لوجه. ومع ذلك، استمر التفاوض بين السوريين والإسرائيليين بشكل غير مباشر عن طريق الوسيط الأميركي كاي انديك، الذي تنقّل بين الفندق الذي يقبع فيه الإسرائيليون وبين الفندق الذي يقبع فيه السوريون «ذهاباً وإياباً»، ولكن في النهاية لم تثمر هذه المفاوضات شيئاً يذكر.
وفي تلك الفترة، استقال داني ياتوم من رئاسة «الموساد»، واصطبغ مسار التفاوض بمزيد من السرية. أديرت المحادثات عن طريق الملياردير رون لاودر والمستشار السياسي الاسرائيلي عوزي أراد، وحتى هذا المسار لم يأت بثمار تذكر.
في عام 1999، خسر نتنياهو الانتخابات لمصلحة رئيس حزب «العمل»، الذي وقف على رأس قائمة «يسرائيل أحات»، إيهود باراك. وتجددّت المفاوضات مع السوريين في تموز من العام نفسه. التقى باراك وزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع، الذي قالت الصحيفة إنه «خرج متفائلاً من اللقاء وأقنع الأسد بفتح مفاوضات مكثفة مع الإسرائيليين». استكملت المفاوضات بعد فترة قصيرة، لكنها لم تؤد أيضا إلى شيء يذكر.
من أجل الخروج من هذا المأزق والطريق المسدود الذي وصل إليه الطرفان، قاد الجانب الإسرائيلي «خطة جديدة». وكانت الفكرة، حسبما جاءت على لسان داني ياتوم في تصريح للصحيفة، على الشكل الآتي: «يحاول الأميركيون إقناع السوريين باتفاق يبدو سيئاً، وغير مقبول من إسرائيل»، مضيفاً أنّه «إذا صادق السوريون على هذا الاتفاق، فسيفرضه الأميركيون على إسرائيل».
في تلك الفترة، اجتمع باراك وياتوم والسفير الأميركي لدى إسرائيل كاي انديك، في مكتب رئيس الوزراء. وقال ياتوم، للصحيفة، إنّه تمّ في الاجتماع استعراض «صور جوية لهضبة الجولان من الرابع من حزيران عام 1967، وصور جوية التقطت أخيراً».
وأضاف ياتوم «تبيّن من خلال الصور أنَّ بحيرة طبريا انسحبت منذ ذلك الحين مقدار 200 متر إلى الخلف»، مشيراً إلى أنَّهم في الاجتماع رسموا «حدوداً جديدة تضم قرى الصيادين السورية الخمس الواقعة شمال شرق بحيرة طبريا». ورأى أنه في مثل هذه الحال «يستطيع الأسد القول للسوريين إن كل سوري يستطيع العودة إلى بيته».
ويضيف ياتوم «تصرفنا بحكمة، وبدل من مساحة طبريا، منحناهم أجزاء من الحمّة ومن مناطق شمالي الحمة كانت تحت السيادة الإسرائيلية قبل الحرب». ولخص الخطة بقوله إن «السوريين ينالون، في مثل هذه الحالة، مساحة أكبر اذا ما قيست بالكيلومترات».
سافر الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون مع هذه الخرائط، التي تمّ إعدادها للقاء الأسد في جنيف في 25 آذار من عام 2000. عرض كلينتون الفكرة على الأسد، على أنّها «فكرة أميركية»، إلا أنّ الأسد رفضها جملةً وتفصيلاً.
ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن الجنرال الإسرائيلي، يعكوف عميدرور، قوله «إنّ شخصية أميركية رفيعة المستوى شاركت في المفاوضات قالت لي إن الإسرائيليين ضللوا الأميركيين، الأمر الذي أفشل كل شيء». وأوضحت الشخصية الأميركية «أنّ الاسرائيليين عرضوا على الأميركيين صورة متفائلة حول ما يمكن أن يقبله السوريون، لكن في الواقع لم تكن الحال هكذا».
كانت هذه نهاية عهد التفاوض السوري الإسرائيلي. وتفجرت الأوضاع الإسرائيلية الداخلية بعد دخول أرييل شارون باحة المسجد الأقصى واندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقالت الصحيفة إنّ السوريين في تلك الفترة أصبحوا «صارمين أكثر»، وبعد صعود شارون إلى الحكم، استمر بتصريحاته العسكرية ضد دمشق.
في العاشر من تموز عام 2000 وصل الرئيس السوري بشار الأسد إلى سدة الحكم، وازدادت العلاقة السورية ــ الإسرائيلية توتراً في ظل «إعجاب الأسد الإبن بـ(الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله».
انقطعت الاتصالات بين الإسرائيليين والسوريين وصارت تأتي، بحسب الصحيفة، على شاكلة مبادرات شخصية لا تثمر شيئاً. وما زاد العلاقات توتراً هو الاحتلال الأميركي للعراق، إذ أصبح نظام الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ينادي أيضاً بسياسة هجومية ضد سوريا. كانت هذه الوضعية ملائمة، بحسب الصحيفة، لشارون الذي لم يكن معنياً بسلام مع السوريين بناءً على موقف الأميركيين.
وذكرت «يديعوت» أنَّ شارون أمر وزير خارجيته سيلفان شالوم بتجميد الاتصالات التي قالت الصحيفة إن المدير العام لوزارة الخارجية ايتان بنيتسور قام بها مع شقيق بشار الأسد وشقيقته.
في عام 2004، أدار شارون، بحسب الصحيفة، مفاوضات غير مباشرة مع مسؤولين سوريين ليسوا رفيعي المستوى، «بوساطة من شخصية استخبارية من دولة عربية». صمّم السوريون على بداية المفاوضات من النقطة التي انتهت منها في عهد رابين، الذي تعهد لوزير الخارجية الأميركي في حينه وورن كريستوفر بأن ينسحب من الجولان، إلا أنَّ شارون رفض هذه الاقتراح رفضاً قاطعاً.
وقالت الصحيفة، في نهاية تحقيقها، إنَّ كل الاتصالات التي أجريت في عهد شارون كانت تتم عن طريق مسؤولين صغار. وكذلك الأمر في عهد رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت، الذي يدعم الموقف الأميركي بعدم فتح قناة تفاوض مع السوريين.