علي حيدر
يُعدّ تحقيق جيش الاحتلال الإسرائيلي في شأن أداء هيئة الأركان العامة خلال العدوان الأخير على لبنان، أهم التحقيقات الخمسين التي نظرت في إخفاقات الحرب، وإليه تستند معظم المعطيات التي تدين رئيس الأركان المستقيل دان حالوتس، ليس أقلها أن لدى الأركان عدداً كبيراً من الضباط الفاقدين للأهلية والخبرة.
ونشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس تقريراً مطولاً لمراسلها العسكري اليكس فيشمان عما تضمنه تقرير الفريق المتقاعد دان شومرون، الناظر في أداء الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، ورد فيه كثير من الحقائق السوداء، عمل حالوتس نفسه على إخفائها وسحبها من التداول قبل استقالته، وهي تؤكد أن المشكلة التي أدت إلى فشل الجيش الإسرائيلي في لبنان «بنيوية».
وتبيّن من الحقائق الواردة في التحقيق أن «خمسة فقط من جنرالات الأركان العامة من أصل 14 شاركوا في تقويم الوضع خلال الحرب وإقرار الخطط، لم يتجازوا دورات مهنية تخصصية في قيادة الأركان»، الأمر الذي يشير إلى السبب وراء تبني الجيش الإسرائيلي نظرية قتالية غير مناسبة، وصفها شومرون بأنها نظرية لم يكن أي جيش متطور ليتبنّاها.
ويرد في استخلاصات التحقيق أن «الإنجاز السياسي في هذه الحرب، المتعلق بأن حزب الله خرج ضعيفاً وخائفاً، هي مسألة مشكوك فيها». ويقول شومرون إن «العكس هو الصحيح، ذلك أن قدرتنا على تصفية حزب الله قد تضررت إذا عاد وبادر إلى ضرب السيادة الاسرائيلية في المستقبل»، والسب يعود إلى «استمرار تسلح حزب الله من جهة ووجود الجيش اللبناني وقوات الامم المتحدة بحسب القرار 1701 من جهة أخرى».
ويصف مراسل «يديعوت» تقرير شومرون بأنه «جاف ومرهق»، ذلك أن «من يغوص في أعماق التقرير سيجد لائحة اتهام كبيرة ضد عشر سنوات كاملة، كان الجيش الإسرائيلي خلالها في دروب الضياع، وفترة ولاية حالوتس كانت نهاية هذه الحقبة، لكنها لم تكن بدايتها بالتأكيد».
ويكشف تقرير شومرون عن عدم جدوى المناورات التي قام بها الجيش الإسرائيلي في السنوات التي سبقت عدوان تموز، ذلك أن «الجيش الإسرائيلي قد سبق وقام بمناورتين للتدريب على الحرب»، وإحداها كانت «حجارة النار – 9» وشاركت فيها هيئة الأركان العامة وقيادة المنطقة الشمالية، «لكن هيئة الأركان، التي أعدت نفسها لمقاتلة حزب الله، لم تتعلم شيئاً في الواقع، وكررت خلال الحرب كل الأخطاء التي حدثت خلال المناورة».
ويضيف شومرون إنه قام «بدراسة بروتوكولات جلسات رئاسة هيئة الأركان خلال الحرب، وحلّل أوامر العملية وأجرى مقابلات مع أصحاب المناصب في هيئة الأركان والأذرع المختلفة وقيادة المنطقة الشمالية، وتوصّل إلى استنتاج: حتى الثامن من آب، اليوم الذي تقرر فيه خوض عملية برية واسعة في جنوب لبنان، لم يكن للحرب أي هدف عسكري محدد». وذلك يعود تحديداً، بحسب شومرون نفسه، إلى أن «الأوامر التي أصدرتها هيئة الأركان حددت أهدافاً غير قابلة للقياس، على سبيل المثال، استخدام الضغط على حكومة لبنان، وردع حزب الله، وإلحاق ضربات قوية بالقدرات العسكرية لحزب الله».
وتنقل «يديعوت» استنتاج لجنة التحقيق المركزية، التي ترى فيها لب مشكلة الجيش الإسرائيلي خلال الحرب، ذلك أن عامل الحسم بواسطة «الروافع وردود الفعل»، التي احتلت مكانة اساسية في النظرية العسكرية للجيش بين عامي 2000 و 2006، «هي منبع المشاكل التي تكشفت خلال الحرب، وهي رؤية كان يفترض بها أن تلغي العمليات البرية، وقد منعت هيئة الأركان وقيادة المنطقة الشمالية من شراء وتطوير أسلحة من أجل إبادة معاقل إطلاق الصواريخ لحزب الله بالنار».
وبحسب هذا الاستنتاج، فإن هذه الرؤية «خلقت فجوة عميقة بين دماغ الجيش، أي هيئة الأركان وقيادة المنطقة الشمالية، وبين جسم الجيش، المتمثل بالوحدات الميدانية التي أعدت وفقاً لمبادئ الحرب الكلاسيكية».
وينهي شومرون تقريره بسلسلة طويلة من التوصيات التنفيذية، ومنها: «تجميد العمل بنظرية القتال الحالية، وإعادة تعديل كل الخطط الاحتياطية الميدانية وملاءمتها مع النظرية الصحيحة المستحدثة، وإعادة فحص حجم القوات البرية، والتعامل مع الردع الاستخباري كشيء زائد، لا كشيء يمكن بناء الجاهزية الفورية عليه، إضافة إلى تنفيذ مناورات للقيادات العليا في هيئة الأركان والمناطق هذا العام، وتنظيم حلقات دراسية لكبار الضباط لتعميق النظرية التقليدية العسكرية لديهم، كما هي الحال في الجيوش الحديثة».