إعداد يحيى دبوق
حاول موقع «أوميديا» الإسرائيلي على شبكة الإنترنت،
المعبّر عن اتجاهات تفكير نخبة إسرائيلية متخصصة بالشؤون الأمنية والسياسية، أن يقرأ الواقع المتشكّل في الجنوب اللبناني إثر العدوان الأخير، وبعد انتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل المعززة فيه، ليصف واقعاً فشل جيش الاحتلال في تشكيله، ويقدّم نصائح لإعادة التشكيل بما يلائم مصلحة الدولة العبرية، بينها تكرار الحرب بأساليب وتكتيكات مختلفة


يستشهد موقع «أوميديا» لعرض الواقع المتشكّل في الجنوب اللبناني بعد العدوان، كبداية، بتصريحات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، اللواء عاموس يدلين، الذي رسم صورة سوداوية من جهة إسرائيل لما يحدث ميدانياً، وخاصة في ما يتعلق بإعادة تسلّح حزب الله، ويورد التالي:
«ذكر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي اللواء عاموس يدلين، في التاسع من كانون الثاني 2007، أن حزب الله استعاد كامل قوته في جنوب لبنان، وتتعلق قدرته الأساسية المستعادة، وبشكل جوهري، في نشر الصواريخ. ويضيف يدلين إن حزب الله يملك حالياً ما لا يقل عن عشرين ألف صاروخ، وهي معلومات تشرين الأول 2006، أي سبعة آلاف صاروخ زيادة عما كان يملكه عشية الحرب الأخيرة.
علاوة على ذلك، عادت المنطقة، التي أريد أن تكون منزوعة السلاح في جنوب لبنان، وبشكل تدريجي، لكي تكون معقلاً لحزب الله. لقد تمترس الإرهابيون الشيعة وقاموا بتسليح أنفسهم في القرى والبلدات وحولها، وكأنهم يملكونها، في انتهاك صريح ومباشر للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، في وقت يقف فيه الجيش اللبناني واليونيفيل، المسؤولان عن فرض وقف إطلاق النار، غير مباليَين».
ويسأل الموقع أين الخطأ أو الأخطاء التي أدت الى السماح بتموضع حزب الله وإعادة تسلّحه؟ فيحصر الجواب بإخفاق الجيش اللبناني واليونيفيل، «بشكل قسري أو إرادي»، محاولاً تفسير هذا الإخفاق الذي يرده إلى «قصر اليد من جهة الجيش اللبناني والى سياسة متّبعة لدى اليونيفيل التي لا تريد موجهة حزب الله». ويقول في ذلك:
«السؤال المركزي هو: لماذا لم يتغير شيء في جنوب لبنان، رغم أن وقف إطلاق النار يمثّل أساس الاتفاقات المعقودة؟. للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نعكسه وأن نسأل أنفسنا، لماذا يجب وقف تدفق الأسلحة؟. إيران وسوريا تريدان تزويد حزب الله بالسلاح، وحزب الله يريد التزود بها، كما أن الأساليب المستخدمة للمحافظة على استمرار تدفق السلاح الموجودة قبل الحرب، عن طريق استخدام المدنيين، جرى ترميمها فوراً بعد انتهاء الحرب.
الأطراف الواجب عليها أن تمنع حزب الله من إعادة تسليح نفسه، لم تقم بذلك ببساطة. الجيش اللبناني، الذي يرغب فعلاً في منع إعادة التسلّح، غير قادر على تنفيذ ذلك، لأسباب عديدة:
أولاً: الشعب اللبناني عامة، واللبنانيون في جنوب لبنان خاصة، يرون أن الجيش اللبناني، الجيش الرسمي للبنان، امتداد لسلطة (رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد) السنيورة. والميزان السياسي الحسّاس في لبنان جعل من السنيورة شخصية مثيرة للجدل، وهو جدل ينسحب بالتبعية نحو جيشه.
يقلق المواطن اللبناني، وتحديداً الشيعي، من إقدام السنيورة على استخدام الجيش اللبناني بشكل مشابه للأسلوب المستخدم من جانب حركة «فتح» لقوة الـ17 وحركة «حماس» للشرطة الفلسطينية، وتوظيفهما لدعم وجودهما وحضورهما. قد لا يكون الأمر مشابهاً جداً لدى السنيورة، لكن رغم ذلك، هذه هي الخشية لدى اللبنانيين. ومن شأن كل ذلك أن يؤدي إلى تقويض شرعية الجيش اللبناني، وهو ما قد يفسر أيضاً التحرك الخجول للجيش اللبناني.
يتعلق السبب الآخر ببنية وتركيبة الجيش اللبناني: فكما في البلدان الأخرى التي لا تفرض الخدمة الإجبارية على مواطنيها، يتألّف الجيش من العناصر الأضعف في المجتمع. وفي حالة لبنان، يمثّل الشيعة العدد الأكبر من عديد الجيش اللبناني المتعاطفين مع (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله وحزب الله. ويتحدر معظمهم من الجنوب اللبناني، أي إنهم يقرون بجميل حزب الله عليهم، الذي قام بدعم وبناء البنية التحتية للجنوب وبناء المدارس والمستشفيات.
وعليه، إذا أقدم المستوى السياسي في لبنان على الطلب من الجيش المباشرة في استخدام القوة ضد حزب الله، فإن السيناريو الأقل سوءاً هو ظهور الجيش بمظهر باهت. أما السيناريو الأسوأ، فتمرد رتبائه وتعطيله. ومن شأن ذلك أن يثير حرباً أهلية في لبنان».
وفي ما يتعلق بقوات اليونيفيل، يركز الموقع على المهمة الموكلة اليها، التي يكاد يحصرها في نزع سلاح حزب الله، بل ويربط بشكل مقصود بين وجودها وإنشائها عام 1979، بالمهمة نفسها، علماً بأن حزب الله قد تأسس عام 1982:
«الطرف الآخر المسؤول عن منع إعادة تسلح حزب الله، هو قوات اليونيفيل، التي يمكنها، على خلاف الجيش اللبناني، أن توقف إعادة تسلّح حزب الله، لكنها لا تريد ذلك».
عملت قوات اليونيفيل في لبنان منذ عام 1979، وأحد أهدافها الرسمية هو نزع سلاح حزب الله. وهناك هدف آخر مصادق عليه يتعلق بتطبيق قرار مجلس الأمن 1559، الذي يدعو إلى تجريد الجنوب اللبناني من كل سلاح ميليشياوي ما عدا سلاح الجيش الرسمي. إلا أن الحقائق تُظهر فشل اليونيفيل.
صدر القرار 1701 نتيجة للحرب، ودعا إضافة إلى أمور أخرى، إلى تعزيز قوة اليونيفيل لتمكينها من أداء مهماتها بقوة أكثر.
تُظهر الحقائق على الأرض أن عمليات اليونيفيل في الجنوب اللبناني تنافي أهدافها المنصوص عليها. وهناك شهادتان ترتبطان بذلك: خلال الحرب، مرَّر موظفو اليونيفيل معلومات استخبارية مفصّلة بخصوص عمليات وتحركات الجيش الإسرائيلي على موقعهم على الإنترنت. بعد الحرب، لدى قيام سلاح الجو بعمليات استطلاع فوق الجنوب اللبناني لمراقبة ما يحدث هناك، كادت اليونيفيل أن تفتح النار على هذه الطائرات الإسرائيلية غير المسلحة.
إضافة إلى ذلك، هناك العديد من البيانات والتصريحات المنسوبة إلى قائد اليونيفيل المستقيل الان بلّيغريني، الذي لم يترك أي فرصة تسنت له، قبل الحرب وخلالها وبعدها، للاعتراض على العدوان الإسرائيلي والهجمات الإسرائيلية القاسية ضد الأطفال اللبنانيين ومعاناتهم. لكنه لم يعترض على عنف حزب الله ولو مرة واحدة، وإذا قام بذلك فإنه لا يقوم بنشر هذه الإدانة. الانطباع المتشكّل هو أن اليونيفيل نوع من الطابور الخامس، أخفق في تحقيق مهمته المنتدب إليها، ودعَمَ حزب الله ضد إسرائيل؛ واسرائيل، التي ترى حزب الله منظمة إرهابية خبيثة، من الصعب عليها فهم كيف أن مؤسسة غربية تتبنى عقيدة كهذه.
تظهر صورة مختلفة عندما نتذكر أن حزب الله يسيطر على جسم ومنظمة خيرية أصيلة في جنوب لبنان، إضافة إلى مستشفيات ومدارس وبنية تحتية، الأمر الذي يمكّنه من توظيف العديد من اللبنانيين الجنوبيين. ودعوة نصر الله بعد الحرب جاءت مباشرة، حيث طلب عدم انتظار اللبنانيين الذين فقدوا منازلهم لتلقي المساعدة، وقام حزب الله بإرسال العمال لترميم المنازل المتضررة جراء الحرب، مباشرة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
من الممكن تقدير نصر الله والإعجاب به، لو لم يكن إرهابياً وقاتلاً للأطفال. والحقيقة أن الذي لا يرى الجانب القبيح من شخصية نصر الله، ويرى أن إسرائيل عدوة للسلام، فإنه يحترم حزب الله.
في الخلاصة، فإن كلا الجانبين الموكل اليهما من جانب المجتمع الدولي، منع إعادة تسليح حزب الله (الجيش اللبناني واليونيفيل) فشلا في مهمتهما.
وينتقل الموقع الى استشراف واقع ما بعد تغيير قيادة اليونيفيل وانتقالها الى الإيطاليين. لكن رغم التفاؤل الذي يبديه وسروره بالإيطاليين، يبدي نوعاً من الإحباط، ويجد أن لا قدرة لليونيفيل تماماً كما الجيش اللبناني، في مواجهة حزب الله، ويقول:
«ستتغير قيادة اليونيفيل في شهر شباط المقبل، عندما يتسلّم الجيش الإيطالي القيادة من قيادة الجيش الفرنسي. سيُستبدل آلان بلّيغريني بجنرال إيطالي. وسيكون لذلك تأثير إيجابي جوهري، على أساس أن ليس لفرنسا نظير في عداوتها لإسرائيل، بينما أثبتت إيطاليا أنها صديقة مقربة في أكثر من مناسبة. ومن الصعب القول إن هناك تغييراً سيحدث، رغم إمكان التفاؤل.
حتى لو قررت اليونيفيل تحت قيادة القوات الإيطالية ان تلتزم المهمة الموكلة إليها وحاولت محاربة حزب الله، فإن حزب الله لا يقل تسليحاً عن اليونيفيل وربما أكثر. علاوة على ذلك، لا يشارك حزب الله اليونيفيل ما لديها من كبت ذاتي لاستخدام الأسلحة. وإذا قامت اليونيفيل بالتصدي لحزب الله، فإن حرباً أهلية قد تندلع في لبنان أو تتكرر الحرب ضد إسرائيل. والتقدير أن مقاومة اليونيفيل ستخبو تدريجياً إلى أن تزول».
ويحمّل الموقع إسرائيل المسؤولية الأساسية عن تردي الأوضاع في جنوب لبنان، أو أقله عدم تغيّرها. ويقفز عن الصعوبات المادية والموضوعية الماثلة أمام الجيش الإسرائيلي في مواصلة الحرب أساساً، والقدرة على استئنافها لاحقاً بعد وقف إطلاق النار، ما لم يجد إجابات ضرورية وكافية تمكّنه من اعادة الحرب باتجاه النصر بها، وهي إمكانات لم يظهر الى الآن أن الجيش الإسرائيلي قد وصل اليها، باعتراف الأوساط العسكرية الاسرائيلية، رغم سعيه الحثيث. ومسؤولية اسرائيل يراها الموقع على الشكل التالي:
«بعد حرب لبنان الثانية، ارتكبت إسرائيل خطأً بالسماح لليونيفيل بأن تسيطر (على جنوب لبنان). فموقف اليونيفيل من إسرائيل ليس جديداً وكان واضحاً قبل الحرب. إن ما قامت به اسرائيل هو سوء تقدير، وقد أصبح أكثر وضوحاً الان، وخاصة عندما نعلم أن حزب الله قد استعاد قوته كاملة تحت أعين اليونيفيل.
كان على القيادة الإسرائيلية، وبالتأكيد على الدبلوماسية الإسرائيلية، أن تعترض على القرار بحزم. وكان عليها أن تصر وبعناد على أن تتضمن القوة الدولية فرقة أميركية ذات شأن، أو ان يقودها قائد أميركي.
لا تعدّ أخبار إعادة تسلح حزب الله شيئاً مفاجئاً لإسرائيل، إذ أظهرت الصور الجوية التي يلتقطها سلاح الجو بواسطة الطائرات من دون طيار، التي كادت أن تؤدي إلى مواجهة بين إسرائيل وفرنسا، القوافل التي تحمل السلاح والذخائر، بينما وقفت اليونيفيل مكتوفة الأيدي متجاهلة ما يجري. وفي هذه النقطة، كان على إسرائيل ان تبادر، قبل أن يتعافى حزب الله بالكامل، إلى مطالبة المجتمع الدولي بعمل هجومي ضد حزب الله، وأن تهدد بإرسال قوات جيش الدفاع. لكن ذلك لم يحدث، وبالتالي لم يتغير شيء.
من هنا، وضعت إسرائيل نفسها في الوضع الذي نجد أنفسنا فيه اليوم. وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تعيد التفكير وتقوم بما يجب لتحسين الأوضاع».
ما الذي تستطيع إسرائيل أن تقوم به لتصحيح الأمور؟، هو السؤال المركزي الذي يخلص اليه الموقع، مقدّماً جملة من النصائح، بعضها خيالي، وبعضها صعب المنال، وبعضها الآخر يبشّر بإمكان تجدد الحرب. لكنّ هذه النصائح من جهة أخرى، ترسم الصورة المتكوّنة لدى شريحة اسرائيلية تصنف كشريحة نخبة، لما آلت اليه الحرب من رد فعل سلبي في المجتمع الاسرائيلي نفسه، ما يوجب المطالبة بتجديد الحرب، لكن على أن ينتج منها نصر بيّن يعيد ترميم الصورة الحالية نحو الأفضل إسرائيلياً:
«على إسرائيل أن تعمل وتخطط على المسارين الدبلوماسي والعسكري للبدء بإحباط الحرب المقبلة على الحدود الشمالية:
من الناحية الدبلوماسية، حان الوقت للإعلان أن اليونيفيل قد فشلت، وعلى إسرائيل أن تعمل على إدانة حزب الله في الأمم المتحدة، وتلفت انتباه العالم، الذي لم يكن مدركاً بالكامل ما كان يجري خلال الحرب. إن اكتشاف المدى الحقيقي للفشل الموجود، سيُدهش أربعاً وعشرين دولة أرسلت جنودها في إطار المشاركة في قوات اليونيفيل.
على إسرائيل أيضاً أن تجد السبيل لضم جنود أميركيين إلى القوة الدولية، لان أميركا هي البلد الوحيد الذي لن يسمح باستمرار تسلح الإرهابيين. رغم أن ذلك يعدّ أمنية نظراً للأزمة التي تواجهها الإدارة الأميركية، لكن على وزارة الخارجية أن تستمر في مساعيها ودعوة المؤسسات اليهودية ذات التأثير على الإدارة الأميركية، وفي هذه الحالة ربما يمكن إحداث تغيير ما في قرار الإدارة.
على إسرائيل التفريق بين الفلسطينيين وحزب الله في مقارباتها، رغم أن تصرفها في كلتا الساحتين مبرر. حيث من السهل على إسرائيل أن توضح مبررات تحركها ضد حزب الله، الذي يتحدى سيادة إسرائيل على الأرض التي لم تُحتل، إضافة إلى أن حجتها عادلة، وهو ما قد يعطيها درجة من الشرعية إذا قررت مهاجمة حزب الله».
ويقدم الموقع إلى المؤسسة العسكرية الاسرائيلية جملة من النصائح الإضافية، كي تعد نفسها للمواجهة المقبلة، التي يرى وجوب أن تبادر اليها اسرائيل إذا لم تثمر الجهود الدبلوماسية لكبح حزب الله:
«أول إجراء ينبغي للجيش الإسرائيلي القيام به هو الاستعداد. كما علينا أن نكون أذكى بعد حرب لبنان الثانية. وعلى إسرائيل أن تعمل على تحسين الخدمات وأوضاع الجبهة الداخلية وقت الحرب. وعلى الجيش الإسرائيلي أن يُعد الخطط لمقاتلة حزب الله إذا بدأت الضربة الصاروخية المقبلة. لكن قبل أي شيء، على الجيش أن يجد السبيل لعدم تكرار فشله الكبير في الحرب الأخيرة، إذ من غير المقبول أن يُشغل الجيش الإسرائيلي في العمق داخل لبنان بينما تهبط الصواريخ على إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، وخاصة إذا ثبت أن الجهود الدبلوماسية لن تثمر، على الجيش الإسرائيلي أن يعد العدة للمبادرة للحرب والمهاجمة أولاً. فمفاجأة إسرائيل لحزب الله في الحرب الأخيرة كانت ذات معنى، ويجب أن تكون الحرب المقبلة لصالحنا».