«هآرتس» ــ يسرائيل هرئيل
اندفاع ايران على طريق صنع القنبلة النووية، بالتزامن مع تصريحات رئيسها الذي يدعو الى ابادة اسرائيل، يقع علينا في احدى ساعاتنا العصيبة. لا يثق الجمهور بقيادته التي برهنت عن فقدانها البصيرة وعجزها في حرب لبنان.
أزمة القيادة المدنية تحدث في موازاة أزمة لا تقل مصيرية على مستوى القيادة العسكرية. رغب الجمهور، طوال سنوات كثيرة، في تصديق أن الجيش هو «شيء آخر»، وأن الجيش بعيد عن الأمراض الهيكلية والقيمية التي تصيب الجهاز المدني. ولكن اتضح ان هذا الجيش مليء بالمشاكل، ليس فقط في مجال الأداء، وإنما في مجالات أخرى أيضاً وتشمل غالبية القادة الكبارففي الجناحين المدني والعسكري، يتبين لنا أن المسؤولين عن الاخفاقات يرفضون استخلاص العبر. هم ينجحون في التشبّث بالحفاظ على بقائهم لأن الجمهور لا يبالي أو مصاب باليأس ولا يبرز للكفاح ضدهم.
لم تنشأ هذه المعايير من العدم، وإنما رؤية وفلسفة معينة هي التي رعت هذه المعايير السلوكية التي أفضت الى أيام الغسق التي نمر بها الآن، والتي يوجد فيها الجيش والجهاز المدني معاً. الآن، عندما أصبحت نتائج هذا السلوك وهذه الفلسفة واضحة للعيان ومهدِّدة لوجودنا، أصبحنا أمام جهاز سياسي لا يوجد فيه تقريباً أي مرشح لرئاسة الوزراء يمكن أن نقول عنه إن المعايير أو القدرات التي يتصف بها مغايرة لتلك التي يتميز بها قادة الحكم الفاشل وإنه هو الذي سيحمل لنا الخلاص. والأدهى من ذلك: يصعب أيضاً أن نشير في شريحة القيادة العليا في الجيش الاسرائيلي الى مرشح ملائم لمنصب رئاسة هيئة الاركان. هناك قلة قليلة في هذه الشريحة التي جُبلت بالقدرات والمهارات القيادية والمهنية الى جانب الاستقامة التي عرفناها عند الجيل القديم من القادة.
يجب علينا أن نشعر بالفزع أمام إمكانية شغل المسؤولين عن النتائج المستحيلة التي تمخضت عنها حرب لبنان، سواء القيادة السياسية أو العسكرية، المناصب العسكرية والمدنية العليا، إن حدث الأمر الأسوأ الذي نتوقعه واضطررنا إلى الرد على الايرانيين أو السوريين أو تحالف من الجانبين بالحرب (الى جانب احتمالية انضمام حزب الله ومجموعة شاملة متنوعة من الفلسطينيين). أجل، ان لم نستيقظ ولم نمنع حدوث هذه السخافة اللامنطقية سيكون في إمكان المتحالفين ضدنا ان ينتصروا علينا مستذكرين ان هذه القيادة نفسها هي التي عجزت عن هزيمة حزب الله في الحرب الصغيرة في لبنان فكيف بها عندما تقودنا نحو حرب ضد جيوش هائلة بالعدد والعدة والتي يتحرك جنودها، كما برهنت حرب ايران ـ العراق، من خلال العقيدة الدينية العميقة والاستعداد للتضحية بأنفسهم من أجل الغاية. وإن كان الوضع كذلك عندما قاتل المسلمون ضد المسلمين فكيف بنا عندما تكون حربهم ضد الشيطان الصهيوني عدو الإسلام والى أي حد ستصل الدافعية لديهم.
وبدلاً من أن يتركز النقاش الجماهيري على هذه المسائل المصيرية، نجده يتركز على أفيغدور ليبرمان، على رغم أنه من الواضح للجميع أن الخطاب السياسي الذي يتفوّه به أفيغدور ليبرمان ليس هو ما سيورّطنا مع الايرانيين. الخط الذي يقود ايديولوجيا تدمير اسرائيل ــ الذي يفضّل اسرائيليون كثيرون كبته أو الادعاء أنه لأغراض «داخلية» ــ هو مستقل تماماً. وهو بالتأكيد يعتمد على اللغة التصالحية أو المتسامحة التي تنطلق من اسرائيل. ليبرمان لا يستطيع ان يقود ضد الايرانيين سياسة مغامرة، حتى لو رغب في ذلك. المنصب الذي سيعطيه له أولمرت فارغ من الصلاحيات التنفيذية. رئيس الوزراء يفشل أيضاً في تحديد استراتيجيا عليا. ولذلك هو لا يستطيع التنازل عن صلاحياته العليا، سواء في الجانب السياسي أو الجانب التنفيذي. ووفق الهيكلية الرسمية، يأتي وزير الدفاع ووزيرة الخارجية قبل ليبرمان، بالاضافة الى المجلس الوزاري المصغر وهيئة الأركان العامة والموساد وجهات أخرى يجب أن يتسبب المشروع النووي الايراني بقضّ مضجعهم.
ليبرمان ليس غولاً على رغم خطابه الحماسي. هو في آخر المطاف انتهازي سياسي على غرار السياسيين الآخرين الذين يتمتعون، خلافاً له، بهالة الشرعية فقط لأنهم يذرون الرماد في العيون سلوكياً ولفظياً. هو مثلهم يضع إصبعاً في الماء ويرفعه نحو الأعلى ليعرف اتجاه هبوب الريح.
ضم ليبرمان الى الحكومة لن يحوِّل اسرائيل الى دولة مغامرة. ربما العكس هو الصحيح. تأثيره الذي ازداد إثر طرح أفكار غير مسؤولة يكون أكبر لو كان في المعارضة. إيقاف اندفاع الناخبين نحو ليبرمان قد يجر الحكومة المتهمة أصلاً بالتردد والانهزامية الى أعمال مغامرة ومتهورة: ولكن عندما يصبح المحرض الرئيسي داخل البيت ستتغير كلماته وتصريحاته معه. ومع ذلك يجسد ضمه إلى الحكومة المشكلة السلطوية المركزية: في نصف السنة الأخيرة، يوجد لدينا رئيس وزراء صاحب قرارات غريبة وعجيبة، ومن بينها قرارات تشير الى انعدام المسؤولية سواء في المجال السياسي أو الأمني على حد سواء.