ناحوم برنياع ــــ يديعوت أحرونوت
جلس رئيس الحكومة يوم الثلاثاء على رأس الطاولة محاطاً بثلة من أعضاء مجلس بلدية طبريا. "الحرب انتهت بصورة أفضل بكثير مما يراه المتشائمون عندنا"، قال أولمرت وابتسم. "ليس من الممكن عدم ملاحظة حقيقة أن هذا القائد المتعجرف، (الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله، قد وقف أمام العالم كله وقال: لو أنني كنت أعرف بنسبة واحدة في المئة ماذا كان سيحدث لما بدأت".
عندما سمعت هذه الكلمات في التلفاز، قلت لتفسي: أنت المتعجرف، وليس غيرك. هذه الدولة غرقت في جنون طوال خمسة أسابيعوالشمال هاجر الى الجنوب أو الى الملاجئ، والجيش ألقى كل ترسانته من القذائف على لبنان، مواطنون سقطوا وجنود قُتلوا، ورئيس وزرائي يُدندن أغنية " أي، أو ــــ آه، ماذا حدث، نصر الله أكلها".
فيمَ يختلف أولمرت عن أدنى المشجعين مرتبة في ملعب كرة القدم. لقد قال لي صديق ذو حس تاريخي مرهف في تلك الليلة: "للمرة الأولى في تاريخ الدولة يقوم رئيس الحكومة بإجمال عملية عسكرية وفقاً لوجهة نظر الطرف الآخر، وليس بناء على إنجازاته الحقيقية على الأرض". هذا الصديق لم يكن دقيقاً في قوله، فإسرائيل شهدت خلال مسيرتها عدداً غير قليل من خطابات الانتصار المتغطرسة وقصيرة الرؤية، والفارغة. سياسيو هذه الدولة متعطشون للنصر لدرجة أنهم يعلنون عنه حتى عندما لا يكون قائماً.
لماذا يحدث ذلك لأولمرت؟ سألت. هل يعود ذلك الى شعوره بالنشوة نتيجة إحساسه بأنه قد نجا من لجنة التحقيق الرسمية؟ حتى تلك اللحظة اعتقدت بأن لجنة التحقيق الرسمية بكل ما يرافقها من ثرثرة قانونية، مصيبة، لأنها ستشل الدولة لسنوات. ولكن اتضح لي أنني أخطأت. هذه اللجنة ضرورية، ولو فقط من أجل تذكير رئيس الحكومة أن الوقت لم يحن بعد لتوزيع الأوسمة.
انتهاء الحرب أعفانا، من جملة أمور، وخصوصاً من الحاجة الى الإصغاء لخطابات حسن نصر الله السامة. هذا مكسب لا يُستهان به. وبالرغم من ذلك، أقترح على القارىء أن يفكر في وجبة أخرى من المعاناة وأن يراجع مقاطع من المقابلة المطولة التي أجرتها مريم البسام من (NTV) مع نصر الله، تلك المقابلة التي لم يُبث منها إلا مقطع واحد في إسرائيل، وهي حظيت عندنا باسم "خطاب الندم".
الحقيقة هي أن نصر الله ليس نادماً تماماً. هو يفعل ما يفعله الآن وزراء حكومة إسرائيل وقادة جيشها. إعداد خطابه للجنة التحقيق في الحرب. يمكنك أن تجد، في شهادته، معلومات مثيرة وبعض الأكاذيب وأنصاف الحقائق. يتضح أن من الأسهل أن تأمر بشن الحرب على أن تبررها بأثر رجعي. الجانبان يكتشفان هذه الحقيقة الآن.
لا يتحدث نصر الله في هذه المرة الى الإسرائيليين، فقد انتهى منهم. كل مساعيه الآن مُركزة على إقناع الجمهور اللبناني من مسيحيين وسنّة وشيعة. ففي هذه الساحة سيحسم أمر بقائه.
المفارقة هي أن القادة الإسرائيليين ونصر الله يُرسخون شروحهم على القاعدة نفسها: لولا شن الحرب الآن لكانت قد جرت في موعد لاحق في ظروف أقل جودة. أولمرت قال ذلك هذا الأسبوع أمام رؤساء بلديات الشمال، ونصر الله قال الشيء نفسه في مقابلته الأخيرة.
في تلك المقابلة سألت الصحافية حسن نصر الله: لقد سمعنا شهادات مفادها أن عناصر حزب الله كانوا قادرين على أسر جنود إسرائيليين إبان المعارك، ولكنهم خافوا من التورط.
أجاب نصر الله "هذه الأمور تُركت لتقدير المقاتلين في الميدان. نحن في القيادة المركزية لا نستطيع توجيه أوامر حاسمة. فنحن نثق بمقاتلينا، أنا أقول لك بصورة حاسمة: لم نطلب من المقاتلين في عيتا الشعب أو في غيرها من القرى بأن يبقوا في قراهم طوال 34 يوماً. قلنا لهم عندما تشعرون بأنكم في ضائقة فلا مانع من انتقالكم الى نقطة أخرى. نحن لسنا جيشاً، ولا نتشبث بالأرض. إذا سقطت قرية أو اثنتان أو مدينة أو تلة أو مسار أو خط جبهة، فلا مشكلة لدينا".
رد حسن نصر الله على الصحافية، عندما سألته اذا كان الجيش سينزع سلاح حزب الله، قائلاً إن هذه ليست مهمته، ومن ناحيتنا سنلتزم بالاتفاق ولن نُحرج الجيش. "في السابق اعتقدنا بأن الصحافة الإسرائيلية صادقة في ما تنشره، مثلاً بالنسبة إلى عدد القتلى في الجانب الإسرائيلي. في هذه الحرب، اكتشفت أن الإسرائيليين كذابون من الدرجة الاولى. بيرتس، أولمرت وليفني وكل القادة الإسرائيليين قالوا ولا يزالون: لن نسمح بعودة حزب الله الى الجنوب. ولكن متى خرج حزب الله من الجنوب، وهل هو بحاجة الى تصريح حتى يعود؟ نحن لم نخرج ولن نخرج".