لندن ــ الأخبارحين بدأ غانم الدوسري نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن أحد يعتقد بأنه سيتحوّل إلى ظاهرة مقلقة لآل سعود فعلاً، أو يكون له ذلك التأثير الكبير على مواطني الجزيرة العربية.
رغم أن الوصف الذي أطلقه على نفسه منذ البداية «قاهر آل سعود» لم يؤخذ بجدّ، لكنه أثبت أن اللقب لم يكن مماحكة، فقد اقترب كثيراً من الحقيقة...

ولا أدلّ على ذلك، حجم المشاهدات بالملايين لمقاطع الفيديو التي يبثها بانتظام، وتتناولها عدّة محطات فضائية، وكذلك حجم ونوعية التعليقات التي ترد على تلك المقاطع، والتي هي أساساً من صنع جيوش إلكترونية عدة تتبع الأجنحة الحاكمة وتشتغل بإمرتها وتمويلها (حزب مطنوخ، الجيش السلماني، جيش رونالدو، وغيرها). وهي تعليقات بمجملها هابطة قذرة حادة تكفيرية تهديدية بالقتل والسحل والاختطاف.
المشاهدات لمقاطع الفيديو في تصاعد مثير للبهجة من جهة، ومثير لقلق آل سعود من جهة ثانية. لذا كانت شكاوى آل سعود لدى مسؤولي «يوتيوب» و«فيس بوك» و«تويتر» لا تهدأ، وقد أُغلقت العديد من المحطات التابعة لغانم الدوسري بطلبات مباشرة وأكاذيب مدبّرة من هيئة الإعلام السعودي، ومن المحطات السعودية مثل «ام بي سي» و«العربية» وغيرها، والتي شاركت ولا تزال في الحملة ضد غانم من أجل حذف قنواته وإخماد صوته.
لم تنفع كل هذه الأساليب، كما لم تنفع حملات «السبام Spam» و«الإبلاغ»، بحجة أن غانم يحرّض على الكراهية، وغير ذلك من المزاعم.
وفي كل معركة، كان غانم الدوسري يظهر منتصراً، مع المزيد من المشاهدات، حتى أصبح ظاهرة مقلقة للعائلة المالكة، وخاصة في الآونة الأخيرة، حيث بدأت تصله معلومات من داخل القصور، وخفايا الزوايا الملكية، وأخذ ينشرها بانتظام على «تويتر»، إضافة إلى ما ينشره في مقاطع الفيديو على «يوتيوب» ووسائل التواصل الأخرى.
ظاهرة غانم الدوسري لم تنشأ من فراغ، بل هي في ذاتها انعكاس لهمجية العائلة المالكة، وعنفها ضد معارضيها، ما جعله يتبع تكتيكاً غير مسبوق في الإعلام المعارض، فغطّى عليه وعلى الإعلام الرسمي في آن.
الخطاب الذي يقدمه غانم الدوسري من خلال مقاطع الفيديو يعيد الى الأذهان ما فعله باسم يوسف في برنامجه «البرنامج» بحكم «الإخوان» والرئيس محمد مرسي!
لكن لغانم الدوسري نكهته الخاصة.
فهو جمع في خطابه ثلاثة عناصر صنعت منه خطاباً صاعقاً، شديد التأثير، وشديد التحريض، وشديد السخرية.
ــ العنصر الأول، إن فيديواته تحوي كمّاً من المعلومات الخاصة غير المسبوق نشرها. نعم، هناك فيديوات تحوي أخباراً عامّة، قد تكون منشورة في صحف ومجلات غربية. لكن غانم يبحث عميقاً، ويقدّم وثائق في كثير من الأحيان، كما يقدم معلومات يعرف المطلعون أنها صحيحة، سواء تعلقت بسلوكيات الأمراء الخاصة، او بمراسلاتهم، كما في مقاطعه التي تحمل عنوان «مرخانيات» حيث لا يعتمد فقط في كثير من الأحيان على الكتب المنشورة، بل على الوثائق العربية في الخزانة البريطانية، وكذلك على معلومات لم يسبق نشرها أصلاً ويتم تداولها شفاهاً.
ــ العنصر الثاني، هو أن غانم لا يقدم المعلومة فقط لجمهور الجزيرة العربية أو العربي بشكل عام بطريقة لا تجرؤ وسائل الإعلام العربية أو المحلية أو حتى الأجنبية على نشرها... بل يقدم أيضاً تحليلاً عميقاً لكثير من سياسات آل سعود، المحلية والخارجية، كما يقدم رؤيته النقدية للأحداث القائمة.
ــ العنصر الثالث، وقد يكون الأكثر أهمية، هو اعتماده الكوميديا السوداء في فيديواته وبرامجه الكثيرة والمتواصلة. أي أنه يقدم المعلومات والتحليلات بأسلوب كوميدي ساخر من العائلة المالكة وأمرائها، وهو أسلوب يصفه معارضوه بالابتذال، وهو يرد بأن «الابتذال الحقيقي هو ما يفعله الأمراء ويمارسونه»، وأنه يرد «دبابيسهم» عليه في تعليقاتهم.
الفكرة من اعتماد الكوميديا السوداء، والسخرية حدّ التسقيط لرموز العائلة السعودية المالكة، ليس فقط من أجل تشويق المتابع والمشاهد فحسب، بل الأهم هو إسقاط قداسة الأمراء، وكشف طويتهم، ومسلكهم المنافق والبعيد عن الأخلاق والإسلام. وهذا الأسلوب يحطّم، معنوياً، شخصيات الملوك والأمراء ومن يعضدهم، ويُجرّئ المواطنين على تناولهم بالألسن، فيصبحون حديث المجالس وفاكهتها!
وفي ظل القمع المستمر، وفي ظل رفض آل سعود لخطابات العقل الإصلاحية، والنصائح التي تقدم لهم، بل ووضع الناصحين في السجون، فإن خطاب السخرية والكوميديا والاستهزاء برموز العائلة المالكة وأمرائها يعتبر الرد المناسب في الزمن المناسب. فمن لا يقبل الخطاب المتزن، ويعتمد على الابتزاز للمعارضين والتعدّي على أعراضهم، عليه أن يقبل في المقابل بحملة التسقيط من غانم الدوسري، جزاءً بالمثل.
ومن شأن خطاب كوميدي مليء بالمعلومات والوثائق، والتحليلات السياسية العميقة، أن يلهب المعارضين في الداخل، ويجرّئ الجيل الشاب على مواجهة آل سعود ونظام حكمهم.
لهذا كله، نجح خطاب غانم الدوسري وأصبح ظاهرة آخذة بالاتساع ليس فقط على مستوى الجزيرة العربية، بل على المستوى العربي، حيث يتكاثر عدد المشاهدين من كل العرب في كل أصقاع الدنيا.
حقاً... أثبت غانم الدوسري، في فيديواته وتغريداته، أنه قاهر آل سعود!