تونس | يَعتبر النائب عن «حركة النهضة» رمزي بن فرج، أنّ الانتخابات البلدية المقبلة تُمثِّل بالنسبة إلى حركته «نقطة اللاعودة إلى الديكتاتورية»، شارحاً أنّه «إذا ما تمكنا من تحقيق اللامركزية بالتزامن مع العملية الاقتراعية، سوف يكون من المستحيل في حينه أن ينجم عن ذلك 350 ديكتاتوراً»، وهو عدد البلديات. ويقول إنّ «توزيع السلطات يضمن عدم العودة إلى الوراء».
الحركة مستعدة للاستحقاق، وقد تمكّنت بالفعل، كما تقول، من جمع سبعة آلاف مرشح تحتاج لهم من أجل الترشح لـ350 منصباً بلدياً في الانتخابات. وقد أرادت من خلال فتح ما نسبته 50 في المئة من قوائمها الانتخابية أمام المستقلين، تقديم استراتيجية سياسية تَظهر من خلالها كحركة غير مهيمنة. ورغم ذلك، تعمل «النهضة» حتى اللحظة بحذر، إذ إنّها لم تُعلن «رسمياً أسماء المرشحين الذين تم اختيارهم»، وفق ما يذكر بن فرج، مبرراً الأمر بالقول: «إذا فعلنا ذلك، فإنّ الأطراف الأخرى سوف تسعى وراء أولئك الذين تم اختيارهم أو سوف تبدأ بمضايقة مرشحينا بغية جذبهم إليها، لذلك دعونا نستغل فترة التأجيل مدة ثلاثة أشهر لتمتين التشكيلات وتعزيز صفوفنا».
تُعتبر الانتخابات البلدية المرتقبة في شهر آذار/ مارس المقبل مقياساً للانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر إجراؤها في السنة التي تليها، وقد بدأت الأحزاب بالفعل استعداداتها. تأخُر بعض الأطراف أدّى إلى تأجيل العملية بالتفاوض مع «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» المسؤولة عن الإشراف على العملية، وتمّ ذلك في أواخر أيلول/ سبتمبر. لكن «النهضة» كانت السبّاقة للبدء بالاستعدادات، كما كانت الوحيدة التي رغبت في الحفاظ على الموعد الأصلي الذي كان محدداً في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2017.
تتعدد أهداف هذه الانتخابات بالنسبة للحركة التي تجدُ نفسها في وضع هشٍّ حالياً، بحيث أنها لم تحصل على الأغلبية في البرلمان (69 مقعداً من أصل 217)، كما عليها أن تعمل داخل الحكومة بالتنسيق مع الائتلاف السياسي الذي يضمّ «نداء تونس» الحائز على أغلبية الأصوات، والحزب الاجتماعي الليبرالي «آفاق تونس»، وبعض المستقلين.
منذ استقالتها من السلطة عام 2013، عملت «النهضة» بعناية على تحسين صورتها، وغيّرت صفتها من حركة «إسلامية» إلى حركة تقول إنّها «من المسلمين الديموقراطيين». كما اعتبرت نفسها خلال مؤتمرها عام 2016 «حركة مدنية»، وطرأ تغيير مهم على سلوكها مقارنة بما كانت تمثله وقت الثورة. لكن التحدي الذي تواجهه خلال هذه الانتخابات لا يكمن فقط في استعادة صورتها أو كسب ثقة التونسيين الذين خاب أملهم من السياسة كما يتضح من خلال الأعداد القليلة للمسجّلين الجدد على سجل الانتخابات هذا الصيف: سُجِّل 993.696 شخصاً ليصبح عدد الناخبين المسجلين نحو 5.2 مليون شخص، في حين تُقدِّر الهيئة الانتخابية عدد من يحق له الاقتراع بنحو 8 ملايين ناخب. وبسبب تأجيل الانتخابات، قررت الهيئة أيضاً إعادة فتح القائمة منذ أوائل تشرين الأول/ أكتوبر. ويبقى التحدي الذي يفوق قلّة حماسة الناخبين أهمية، هو اللامركزية التي يرتبط مصيرها ارتباطاً جوهرياً بمصير الانتخابات البلدية.
بدأ مسار اللامركزية في تونس منذ عام 2013، ومن المفترض أن يستمر حتى عام 2021 في 24 محافظة و264 بلدية. وبالرغم من وجود سلطات محليّة، إلا أنّها تبقى مقيّدة خاصة في مواجهة الزحف العمراني، ونرى ذلك من خلال انعدام الرقابة على البناء العشوائي الذي ينتشر في البلاد على سبيل المثال. كما أنّ هناك نقطة أساسية أخرى مرتبطة بالتنمية المحلية، إذ إنّ البلديات تمتلك هامشاً صغيراً للتحرك وتعاني من قلة الموارد بالرغم من أنّ الحاجة للتنمية المحلية كانت أحد أهم الشعارات التي رُفعت منذ 2011. ووفقاً لتقرير أصدره عام 2013 اثنان من الباحثين ضمن «المركز اللبناني للدراسات السياسية» بشأن اللامركزية في تونس، فإنّه وبالرغم من أن حصة موازنة الدولة المخصصة للتنمية المحلية تضاعفت أكثر من أربع مرات بعد عام 2011 كردّ فعل سياسي على المطالب المحلية التي كشف عنها النقاب منذ قيام الثورة، إلا أنّ «هذه الزيادة اصطدمت بالتعقيدات الإدارية وعدم قدرة الهياكل المحليّة على صرف جميع مستحقاتها».

الكثير من التونسيين باتوا لا يثقون بالتمثيل المحلي
وبالتالي، فإنّ المشكلة الحالية في تونس تكمن في الافتقار إلى التغيير على مستوى المناطق واتساع هوة انعدام المساواة بالرغم من توفر المال.
الكثير من التونسيين باتوا لا يثقون بالتمثيل المحلي الذي كثيراً ما يُتهم بالفساد ويفضح التعقيدات والتباطؤ داخل إدارات البلاد. وفي حين أنّ الدستور الجديد لعام 2014 يولي أهمية كبيرة لتحقيق اللامركزية وإعادة تنظيم السلطات المحلية، فإنّ تحقيق ذلك في النظام السياسي والإداري سيمثّل أحد التحديات الرئيسية لهذه الانتخابات. ويتعيّن على البرلمان التصويت بنهاية العام، على إصلاح قانون السلطات المحليّة الذي من شأنه أن يمنح سلطات أكثر للبلديات وتحديد دور المنتخبين الجدد. وفي هذا الإطار، هناك لجنة برلمانية تناقش حالياً مواد هذا القانون والتي يبلغ عددها ثلاثمئة مادّة.
من جهته، يدافع النائب المستقل وأحد أعضاء المجموعة البرلمانية لـ«النهضة» نوفل الجمالي، عن فكرة اللامركزية «المتدرجة» و«البراغماتية». ويقول إنّ الدولة التونسية «بُنِيت» وفق نموذج يمنح مستوى عالياً من المركزية، مستدركاً أنّه «بعد اعتماد الدستور الجديد في عام 2014، اعتمدنا تقاسماً جديداً للسلطة على المستوى الوطني». كما يعتبر أنّ «نقاط القلق والخلاف الأساسية تكمن في الخوف من عدم المساواة عند تطبيق اللامركزية، فالكثير من المناطق الداخلية لا تملك ضريبة خاصة بها، فتكون الموارد قليلة. لذلك علينا أن نتأكد من إرفاق عملية تحقيق اللامركزية بإصلاح ضريبي ملائم». وهنا نبقى في انتظار نقاشات الجلسة البرلمانية التي سوف تعقد بكامل الأعضاء والتي من المتوقع أن تكون ساخنة، فبعض الأطراف يعارضون فكرة اللامركزية من أساسها، والبعض الآخر ما زال يسعى إلى عدم إجراء الانتخابات البلدية.