رام الله | عملية تهويد القدس المحتلة تجري على قدم وساق وفي كافة مراكز القرار الإسرائيلية، حيث يجري ذلك بشكل علني ومقنن، في سعي من الحكومة الإسرائيلية لشرعنة إجراءاتها الاستيطانية في المدينة «المقدسة». ولعل آخر فصول هذه الحملة دُشن أمس، عندما ناقش الكنيست (السلطة التشريعية للاحتلال) مقترحاً للنائب الليكودي المتطرف، موشيه فيغلين، لتشريع قانون جديد يقضي «بفرض السيطرة الإسرائيلية على جبل الهيكل».

المقترح الذي عارضته بعض الأحزاب اليسارية، حظي بتأييد الأحزاب اليمينية المتطرفة، «كالبيت اليهودي» الذي يتزعمه وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينت، و«الليكود-بيتنا»، الذي يتزعمه رئيس الوزراء، بنيامين نتياهو، وهو الذي سبق أن وعد خلال حملته الانتخابية الأولى بتنظيم حق اليهود في الصلاة داخل الحرم، قائلاً إن «حق اليهود على جبل الهيكل لا يمكن الاستئناف عليه».
ورغم السجال الذي دار أمس بين الكتل النيابية الإسرائيلية حول المقترح، إلا أن موضوع «حق اليهود في جبل الهيكل» يبقى محل إجماع بين الأحزاب الإسرائيلية يميناً ويساراً، صحيح أن حزب «ميرتس» اليساري الإسرائيلي أبدى معارضته لهذا المقترح، إلا أنه أقر في الوقت نفسه «بالحق اليهودي في جبل الهيكل».
إلى جانب ذلك، لا يقتصر الخلاف حول قضية القدس بين اليمين واليسار فحسب، ثمة خلاف بين أحزاب اليمين أيضاً، فبينما تحاول أحزاب الليكود وإسرائيل بيتنا تغليف السيطرة على القدس بغلاف ديني، يقف حزب «شاس» اليميني، الذي لا يقل تطرفاً عنهما، مبدياً معارضته، وللمفارقة فإنه يبديها لاعتبارات دينية كذلك، حيث يُحرّم الحزب الذي أسسه الحاخام المتطرف، عوفاديا يوسف، ما يسمّيه «صعود اليهود إلى جبل الهيكل» خوفاً من «العواقب التي قد تؤدي إلى إراقة الدماء».
الجلسة التي قاطعها النواب الفلسطينيون في الكنيست حملت شعار «جبل الهيكل بأيدينا»، وهو اسم الحملة التي أطلقها مقدّم الاقتراح، موشيه فيغلين، مطلقاً لها موقعاً إلكترونياً خاصاً، بات ينشط بنحو واسع في الترويج له يومياً عبر صفحته الشخصية على الـ«فيسبوك»، ويحظى بمتابعة شريحة واسعة من الجمهور الإسرائيلي.
موشيه فيغلين الذي أعلن صراحة بعد جلسة الكنيست أن «ما حدث اليوم هو خطوة هامة لاستعادة السيطرة على جبل الهيكل»، يمتلك سجلاً حافلاً من التطرف، ولديه حماسة شديدة تجاه تهجير الفلسطينيين وإقامة دولة إسرائيل الكبرى. الرجل الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس الكنيست، سبق أن قدم اقتراحاً شهيراً خلال حملته الانتخابية بدفع نصف مليون دولار لكل عائلة فلسطينية تهاجر من الضفة، بالإضافة إلى خطة مفصلة لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، كان قد قدمها للكنيست في تشرين الأول الماضي ضمن مشروع قانون أطلق عليه اسم «إدارة جبل الهيكل».
وبخصوص مقاطعة النواب الفلسطينيين لجلسة الكنيست، قال النائب جمال زحالقة، لـ«الأخبار»، إن مقاطعة الجلسة جاءت لأن «الخطر الحقيقي لا يكمن في نائب فاشي صغير، هو موشيه فيغلين، وخطواته الاستفزازية تجاه المسجد الأقصى، بل يكمن في الحكومة الإسرائيلية، وما تقوم به بهدوء نسبي من خطوات فعلية للاستيلاء على مناطق من الأقصى، وبالأحرى تقسيم الزمان والمكان من المسجد الأقصى، والسماح لليهود بالصلاة في أماكن وأوقات محددة داخل المسجد، على غرار الحرم الإبراهيمي».
وعن إبداء مكتب نتنياهو تخوفه من نقاش هذا الموضوع داخل أروقة الكنيست، قال زحالقة: «من خلال هذه الطريقة بالضبط يسعى نتنياهو إلى تبرئة ذمته، وتجنب الظهور بمظهر المسؤول عن هذه القضية، في حين أن الحكومة ممثلة بوزارة الأديان الإسرائيلية قامت بالتوجه إلى الحاخامين الكبيرين في إسرائيل، وطلبت منهما إصدار فتوى تسمح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، مضيفاً أنه «حتى الآن ثمة اعتبارات تتعلق بالفقه الديني اليهودي لا تسمح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، وذلك لوجود ما يسمى قدس الأقداس في الأسطورة الإسرائيلية، التي لا يُعرف مكانها حتى الآن داخل الحرم، وبالتالي لا يُعرف مكان الصلاة، وعلى ذلك، فإذا أصدر الحاخامان للسماح بالصلاة داخل الحرم، بتحريض حكومي، فسنكون أمام أضعاف مضاعفة من المتطرفين اليهود الذين سيحاولون اقتحام المسجد، وهذا كفيل بإشعال الأرض الفلسطينية كلها».
في كل الأحوال، هذا ليس المقترح الأول من نوعه الذي يُتداوَل في الكنيست، فالمشاريع والمقترحات التي تستهدف المدينة المقدسة شهدت طفرة نوعية خلال السنة الماضية، ملفات حساسة كثيرة وضعت على طاولة الكنيست من دون أن تثير أية ردة فعل تذكر، وهو ما شجع على طرح المزيد من القضايا، ولا سيما مع وجود أغلبية يمينية آخذة بالتمدد داخل الكنيست، ما كان يُعتبر سابقاً «مخاوف ومحرمات»، بات يُتداول الآن على الملأ من قبل صناع القرار الإسرائيليين. ففي العام الماضي ناقش الكنيست موضوع «زيادة عدد اليهود المسموح لهم بالدخول إلى جبل الهيكل». تبع ذلك نقاش مسألة «صعود اليهود إلى جبل الهيكل خلال عيد العرش»، لكن من دون تطرق إلى العدد هذه المرة، ليصل الأمر خلال جلسة عُقدت في شهر تشرين الثاني الماضي إلى نقاش «حق اليهود في الصلاة في جبل الهيكل» من أساسه، أي بمعزل عن المناسبات والأعياد الدينية، ليصل الأمر أخيراً إلى نقاش السيادة الإسرائيلية الكلية على المسجد الأقصى.