واضحٌ أن لتنمية العلاقات وتطبيعها بين الجانبين أهمية لإسرائيل في مجالات حيوية متعددة، من بينها استغلال الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسودان على ساحل البحر الأحمر، والذي يتيح لها أن تتمتع بحضور وإحاطة استخبارية أوسع في ممرّ بحري لطالما كان منتجاً لتهديدات أمنية وعسكرية، منها مثلاً تزويد فصائل المقاومة في فلسطين وحولها بالسلاح. فالتقارب مع السودان يتيح بنية تحتية مكانية من شأنها التأثير سلباً في هامش المناورة لدى الجانب الإيراني، عبر تمكين إسرائيل من تعزيز قدرتها على شنّ عمليات إحباط استباقية في منطقة بحرية باتت واسعة جداً. كما أن التقارب بين الخرطوم وتل أبيب يقلّص عملياً أيّ إمكانية لدى الأولى للارتداد لاحقاً عن خياراتها الحالية. وفي هذا الإطار، تأمل إسرائيل أن تتعزّز خسارة إيران للسودان وإمكاناته، ولذا فهي تعمل على تسهيل مهمة حكّام الخرطوم الجدد لتأسيس ما يتعذّر لاحقاً التراجع عنه، بعد الانضمام إلى «المحور السنّي، بالتعاون مع المعسكر الغربي» في المنطقة. أيضاً، تُعزّز العلاقات مع السودان فرصة نجاح استراتيجية إسرائيل في تعميق حضورها ونفوذها السياسي والأمني والاقتصادي والتكنولوجي في القارة الأفريقية، عبر التأسيس لمزيد من العلاقات مع دول القارة، إذ إن اللقاء، ولاحقاً التطبيع، يشجّعان دول القارة على تغيير موقفها التقليدي الذي اتّسم طويلاً بالعدائية في المحافل الدولية ضدّ إسرائيل. كما يؤدي إلى موازنة، وربما تقليص، نفوذ إيران في عدد من تلك الدول، فـ«إذا كانت الدول العربية نفسها تتقرّب من إسرائيل، فلن يكون أمام الأفريقية أيّ حرج في ذلك» («ذا ماركر» العبرية). يضاف إلى ما تقدّم أن التطبيع مع السودان يتيح لإسرائيل معالجة مسألة تدفّق المهاجرين الأفارقة الذين يشكلون عاملاً ضاغطاً ويستنزفون الموارد، لأنه «إذا أقام السودان وإسرائيل علاقات دبلوماسية، يصبح بإمكان إسرائيل أن تتوصّل إلى اتفاق مشترك يتعلق بترحيل عشرات الآلاف من المتسلّلين، إلى السودان نفسه» («غلوبوس» العبرية).
لتنمية العلاقات مع الخرطوم أهمية لتل أبيب في مجالات حيوية متعددة
يُذكر أنه في أعقاب اللقاء بين نتنياهو والبرهان، تولّد جدل في إسرائيل حول نتائجه، إذ رأى البعض أنه جاء كما أراده نتنياهو، ربطاً باقتراب موعد الانتخابات، عبر تأكيد دور الرجل في تعزيز العلاقات الخارجية، ولا سيما مع العرب، ودفعها إلى العلن بعد أن كانت محصورة في الغرف المغلقة. لكن، في المقابل، ثمة من اعتبر أن اللقاء، وإن كان توقيته وشكله يخدمان نتنياهو، إلا أنه في الأساس تعبير عن اتجاه في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك في أفريقيا، نحو التطبيع من دون اشتراطات مسبقة تتصل بالقضية الفلسطينية، الأمر الذي يُعدّ واحداً من أهم النجاحات الإسرائيلية (وربما الأميركية) في السنوات القليلة الماضية، بمساهمةٍ من عدد من الدول الخليجية التي ثبت أن ترويج التطبيع من أهمّ مبادئ سياستها الخارجية.
يقول الباحث في «معهد القدس للاستراتيجيا والأمن»، عومير داستري، في مقال تعقيباً على التقارب السوداني - الإسرائيلي، إن العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين لن تبصر النور قريباً، لأن «الكراهية متعمّقة في الشارع السوداني، ويصعب على القادة الجدد تجاوزها»، لكنه يشير إلى وجود «عدد كبير» من الأصوات في الشارع ترى أن الاقتراب من إسرائيل «خطوة ضرورية للتطور الاقتصادي والانضمام من جديد إلى المجتمع الدولي». هذه الرؤية - «الأمل» تختصر في الواقع استراتيجية الجذب الإسرائيلية لعدد من الدول بعد إفقارها وتأزيم وضعها، وذلك بدفعها إلى التخلّي عن خياراتها الوطنية والقومية والانصياع الكامل للولايات المتحدة. وهي استراتيجية تعبّر في حقيقتها عن الاتجاه والمبنى الفكريَّين لـ«صفقة القرن» الأميركية التي يراد من خلالها تصفية القضية الفلسطينية، عبر تحويلها إلى «تحسين وضع اقتصادي لسكان فلسطينيين»، بدلاً من أن تكون قضية تحرّر وطني من الاحتلال.