القاهرة | يدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن أمامه مهمة صعبة لتحسين أوضاع المصريين الاقتصادية خلال السنوات المقبلة، ولو ببطء. مشاكل عديدة يواجهها النظام الجديد تستلزم منه قرارات سريعة وخطط طوارئ لحلها، أبرزها مشكلة الكهرباء والبطالة والتضخم، بالإضافة إلى تراجع السياحة التي تعتبر ركناً مهماً في الاقتصاد الوطني.

يعلم السيسي جيداً أن إيجاد حلول سريعة لمشكلة الكهرباء سيكون أحد الأسباب الأساسية لتطوير الاقتصاد المصري وتحسين الوضع القائم.
منذ عزل الرئيس محمد مرسي، تسابقت الإمارات والسعودية على دعم الدولة المصرية بكل ما أوتيتا من فوائض مالية وبترولية، إلا أن يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، صاحبت المساعدات البترولية موجة حارة شديدة، أظهرت أنه ليس كل ما يأتي من الخليج خيراً، وأوضحت أن المساعدات السخية ليست وحدها قادرة على تحسين أحوال المصريين. وعلى الرغم من التقديمات المالية والبترولية التي قدمتها كل من السعودية والإمارات والكويت للقاهرة منذ عزل مرسي، إلا أن أزمة الكهرباء لم تجد لها الحكومتان المتعاقبتان حلاً.
ويبلغ أقصى حمل لمحطات إنتاج الكهرباء في مصر 29 ألف ميغاوات في الساعة، إلا أن هذا يحتاج إلى 112 مليون متر مكعب يومياً من الغاز، بينما تستطيع الحكومة أن توفر 80 مليون متر مكعب يومياً فقط، حتى إنشاء محطة الغاز التي يتوقع أن تبدأ العمل في شهر ايلول المقبل. لذلك شهدت مصر موجة من انقطاع الكهرباء نتيجة ارتفاع الأحمال إلى 25 الف ميغاوات في ساعة.
ولمواجهة أزمة انقطاع الكهرباء في الصيف المقبل، سيتجه المشير ومساعدوه لمطالبة المواطنين بترشيد الطاقة، وفقاً لتصريحاته وملامح برنامجه، وقد كانت حملته الانتخابية قد قامت بالفعل بتوزيع لمبات توفير خلال الحملة الانتخابية. رئيس قطاع الأداء في الشركة القابضة للكهرباء، محمد سليم، أكد أن وزارة الكهرباء ستقوم في الفترة القادمة بتشجيع المواطنين على إنشاء المحطات الشمسية فوق أسطح منازلهم، مشيراً في حديث لـ«الأخبار» إلى أن الدولة ستشجع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة خلال السنوات القادمة.

معدلات البطالة
مرتفعة والموازنة لا تساعد على حلها

من جهة أخرى، ستكون مشكلة البطالة وحلها أحد التحديات الاقتصادية التي ستواجه الرئيس المقبل.
ورغم تقديم الإمارات الحزمة التحفيزية بقيمة 32 مليار جنيه وبدأ تنفيذها في تشرين الثاني الماضي، فقد كان الهدف المُعلن لهذه الحزمة هو تنشيط الاقتصاد وتشغيل أكبر عدد من المصريين. في أثناء تنفيذ هذه الحزمة تصاعدت احتجاجات جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وكان لهذه الاحتجاجات تأثير سلبي في أوضاع الاقتصاد وأوضاع العمالة المصرية، وكانت محصلة هذا الصراع أن معدل البطالة ظل كما هو دون تغيير خلال ستة أشهر، ما بين أيلول 2013 وآذار 2014، ليبقى 13.6% من المصريين الراغبين في العامل والقادرين عليه «عاطلين». ولا يبدو أن حل مشكلة البطالة سيكون بالأمر السهل بالنسبة إلى الفريق الاقتصادي للمشير، إذ إن معدلات البطالة ستزيد خلال الأعوام الاولى من حكم السيسي، على الأقل بناءً على ما كشف عنه وزير التخطيط أشرف العربي، الذي أكد أن معدلات النمو المنخفضة التي يشهدها الاقتصاد المصري والتي ستبلغ مع نهاية العام الحالي 2%، غير قادرة على امتصاص الزيادة في أعداد الوافدين الجدد إلى سوق العمل.
ورغم حاجة النظام في مصر لاستيعاب الشباب العاطلين، إلا أن الحكومة أعلنت عن موازنة تقشفية، باستثمارات 62.2 مليار جنيه فقط، مقارنة بـ 95.4 مليار جنيه في العام الحالي، «هذه الموازنة التقشفية هي التحدي الاساسي أمام حكم السيسي»، تقول عالية المهدي، العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة.
وأوضحت المهدي في حديث لـ«الأخبار» أنه وفقاً لبيانات الموازنة الجديدة فقد ارتفع الانفاق الحكومي، بـ 8.7% «قياساً بمعدل تضخم سيتجاوز الـ 11% في 2015، فهذا معناه أن القيمة الحقيقية لهذه الموازنة أقل من سابقتها».
نقطة أخرى تثير تخوفات المهدي في ما يخص ملف البطالة، هي تدخل القوات المسلحة في النشاط الاقتصادي بشكل كبير «75% من العاملين يعملون في القطاع الخاص، وسيكون تأثير مزاحمة القوات المسلحة لهم سيئاً للغاية».
رئيس مجلس إدارة مجموعة «مالتيبلز للاستثمارات»، عمر الشنيطي، شارك المهدي مخاوفها من أثر تدخل القوات المسلحة في الاقتصاد المصري، ولفت في حديث لـ«الأخبار» إلى أن كثيراً من رجال الأعمال الذين يتعامل معهم يعربون عن تخوفهم من زيادة دور الجيش في الاقتصاد على حسابهم.
يذكر أن الحكومة أوكلت إلى القوات المسلحة تنفيذ العديد من المشروعات منذ حزيران الماضي، نتيجة تباطؤ الجهاز البيروقراطي الحكومي في التنفيذ. ووفقاً للشنيطي فإن الجيش «يحصل على كل الارباح ثم يقوم بتوكيل تنفيذ المشروعات لشركات أخرى من الباطن، ولكن بهامش أرباح صغير للغاية». وبهذا يواجه السيسي معدلات بطالة مرتفعة وموازنة تقشفية لا تساعد على تشغيلهم، هذا بينما القطاع الخاص أكبر مُشغل في مصر أصابه التخوف من التوسع في الدور الاقتصادي للقوات المسلحة.
كذلك، فإن مشكلة التضخم ستكون أحد الملفات الرئيسية التي ستواجه الفريق الاقتصادي العامل مع المشير.
فخلال الـ 11 شهراً الماضية واجهت الدولة المصرية معدل تضخم يدور حول 10%، هذا بينما توقع صندوق النقد الدولي أن يتجاوز هذا المُعدل 11% في عام 2015، هذا نتيجة ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه من 6.15 جنيهات في كانون الأول 2012، إلى 7.18 جنيهات هذه الأيام، وهو ما أثر في اسعار السلع المستوردة، وخاصة أن الصادرات المصرية تغطي ما يقرب من 50% من الواردات.
«معنى الموازنة التقشفية المطروحة هو أن الانفاق الذي سيضخ في الاسواق قليل جداً، وبهذا تستمر حالة الركود، وهذا امر غير مقبول في دولة تريد التحرك للامام، بعد توقف استمر لـ 3 سنوات»، وفقاً لعالية المهدي.
وبلغ معدل النمو نحو 2% خلال الـ 3 سنوات الماضية، وهو أقل من معدل نمو السكان الذي تجاوز 3% في بعض فترات الأعوام الماضية، ما يعني أن نصيب الفرد من الناتج القومي قد انخفض.
وتحذر المهدي من أن السياسات النقدية والمالية لمصر متعارضة، «فالسياسات النقدية تقوم على تحرير سعر الصرف أمام الدولار وخفض سعر الفائدة في البنوك، ما جعل الناس أكثر ميلاً إلى الاحتفاظ بأموالهم خارج البنوك، وبالتالي ارتفع معدل التضخم أمام السياسات المالية فترتبط بخفض الإنفاق وفرض المزيد من الضرائب، وبالتالي سيحدث ركود تضخمي، وهذا سيناريو سيئ للغاية».