رام الله | يواصل جيش الاحتلال فرض إجراءاتٍ أمنية مشددة على الضفة المحتلة، وخاصة في محافظة الخليل لليوم الرابع على التوالي. يتزامن ذلك مع حملة اعتقالات واسعة النطاق طاولت العشرات بينهم نواب في المجلس التشريعي وقيادات من حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وذلك بعد فقدان أثر ثلاثة مستوطنين في الخليل مساء الخميس الماضي.
وسارعت الحكومة الإسرائيلية إلى تحميل رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، المسؤولية عن الحادثة، متذرعةً بأن ما حدث كان ثمرة للمصالحة بين «حماس» و«فتح»، ونتيجة لما سمته «إيقاف المطاردات الأمنية لقيادات حماس في الضفة»، مع أن وتيرة الاعتقالات السياسية لم تنخفض رغم تشكيل حكومة التوافق، وفق مراكز حقوقية.
حاولت «الأخبار» الاتصال بالمتحدث باسم حكومة التوافق الفلسطينية، إيهاب بسيسو، لأخذ المزيد من المعلومات عن موقفها من التصعيد الأخير، لكن مكتبه اكتفى بإحالتنا على البيان الصحافي الذي صدر عنه. «التوافق» استنكرت في البيان الإجراءات الإسرائيلية المشددة في عموم الضفة ومدينة الخليل. وقال البيان: «لا يمكن تحميل الفلسطينيين مسؤولية الأمن في مناطق محتلة لا تخضع للسيطرة الفلسطينية وفيها عشرات الكتل الاستيطانية». ورأى أن «التصعيد يندرج في إطار العقاب الجماعي ضد شعبنا»، داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل لحماية الشعب الفلسطيني من هذا التصعيد «الذي شمل عقوباتٍ على الأسرى المضربين وفي مقدمتها حرمانهم الزيارة».
أمين السر للمجلس الثوري لحركة «فتح»، أمين مقبول، رأى أنه إذا صح وجود عملية أسر لثلاثة مستوطنين «فذلك يأتي بالتأكيد في سبيل تحرير الأسرى الذين يعانون في سجون الاحتلال ويخوضون إضراباً عن الطعام منذ أكثر من 50 يوماً، وبعد أن رفض بنيامين نتنياهو إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى». وأضاف لـ«الأخبار»: «نتنياهو يستغل الحدث لمواصلة الهجوم والتشهير بالقيادة الفلسطينية، ولا سيما الرئيس محمود عباس، ويتجاهل أنه سبب التصعيد وعرقل إطلاق سراح الأسرى وواصل الاستيطان وتدنيس المسجد الأقصى والسماح للعناصر المتطرفة اقتحام باحاته».
أما عن خطة الفلسطينيين لمواجهة التصعيد الذي بادرت إليه تل أبيب، فيقول مقبول: «القيادة الفلسطينية ستواصل نضالها الدبلوماسي في مواجهة أي تصعيد إسرائيلي خاصة باستمرار الوحدة وإسقاط ادعاءات إسرائيل بأن حكومة الوفاق هي التي سببت هذا التوتر، لأن التصعيد بدأ قبل تشكيل الحكومة بأشهر».
الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أنس أبو عرقوب، أوضح بدوره، أن رد الفعل الإسرائيلي جاء على مستويين، «الأول خاطب المجتمع الدولي واستغل العملية لمهاجمة حكومة الوفاق بإيحاء أنها هيأت الأجواء لتنفيذ هذه العملية». أما المستوى الثاني، فكان «سباقاً بين السياسيين لمخاطبة الرأي العام الإسرائيلي الداخلي وتكرار الاتهامات الروتينية للجانب الفلسطيني». وتطرق أبو عرقوب في حديث مع «الأخبار» إلى تصريحات نائب جهاز المخابرات الإسرائيلية السابق، يسرائيل حسون، التي قال فيها إن الجيش لن يعتمد على أي جهة، وخصوصاً الأجهزة الفلسطينية لاستعادة المفقودين.
رغم الموقف السياسي للسلطة وحركة «فتح»، فإن ما يجري على الأرض يخالف «النبرة الحادة» للبيانات الرسمية، وذلك في ظل استمرار التنسيق بين الأجهزة الأمنية للطرفين في جهود البحث عن المفقودين. في هذا السياق، نسب موقع «واللا» العبري إلى مصدر أمني فلسطيني رفيع تأكيده أن تحقيقات الأجهزة الفلسطينية أظهرت ضلوع عنصرين بارزين في الجهاز العسكري لحركة «حماس» في العملية «لكن آثارهما اختفت مع أن الأمن الفلسطيني يسعى إلى اعتقالهما».
كذلك حاولت «الأخبار» الحصول على تعقيب من المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة، عدنان الضميري، على هذا النبأ، لكن مرافقيه أبلغوا بأنه ليس لديه متسع من الوقت للحديث معنا. وكان الضميري قد قال يوم العملية (الخميس الماضي) إن فقدان أثر المستوطنين لا تتحمل مسؤوليته السلطة، معقباً في تصريح صحافي: «الإسرائيليون يمنعوننا من ملاحقة جنائيين في مناطق (ج)، لكنهم يريدون تحميلنا مسؤولية اختفاء المستوطنين في هذه المنطقة وهي تحت سيطرتهم».

رفض كل من بسيسو والضميري التواصل مع «الأخبار» بشأن الحادثة
ومع انتشار صور وأنباء عن جلسات تنسيق بين الجيش الإسرائيلي والأمن الفلسطيني اشتعلت حملة تراشق إعلامية أخرى بعدما اتهم الضميري إحدى وكالات الأنباء المحلية بالكذب، ورفض التعليق على سؤال صحافي منها بشأن ما نشرته قناة إسرائيلية عن «إصدار عباس أوامر للأجهزة الأمنية بالتعاون الكامل مع جيش الاحتلال ومساعدته». في هذا الإطار يشير إعلاميون إلى أن التصريح في قضية حساسة ترتبط بالأسرى يمثل إحراجاً كبيراً لعباس والسلطة، ولا سيما بعد أن وصل المفاوضون الفلسطينيون إلى باب مسدود، وعجزوا عن إكمال الإفراج عن قدامى الأسرى، لكن هذا لا يمنع بالضرورة إكمال سياسة التنسيق الأمني وإن كان يبرر تهرب المسؤولين في رام الله من التصريح للإعلام.
تعقيباً على ذلك، قال المحلل السياسي عادل سمارة من الضفة، إن عملية الأسر في حال ثبوتها «هي رد طبيعي على التنكيل بالأسرى»، محملاً السلطة المسؤولية عن تواصل الإجراءات الإسرائيلية المشددة بحق المواطنين «جراء تعاون أجهزتها الأمنية مع جيش الاحتلال ومخابراته في عمليات البحث عن مكان احتجاز المستوطنين المفترض». وطالب سمارة، في حديث لـ«الأخبار»، السلطة بوقف التنسيق الأمني، قائلاً: «ما دام أنها لم تلغه السلطة فهي بالضرورة ستشارك إسرائيل في البحث عن المستوطنين... هذا هو الاتفاق، وإذا لم تلغ الاتفاق إذن أنت تشارك في البحث». أما عن تحميل تل أبيب المسؤولية على رام الله، فقال: «السلطة بكل تأكيد لا تتحمل مسؤولية العملية، لكن وقاحة الإسرائيليين توصلهم حد رفض احترام من ينسق معها أمنياً».