حيفا | كان لإلقاء الجثة المحروقة للفتى المقدسي محمد أبو خضير في منطقة قريبة من قرية دير ياسين دلالتها التي تنطلق من مجرزة حدثت في تلك القرية عام 1948، وهي ترمز إلى الوحشية الإسرائيلية في ذاكرة الفلسطينيين، الأمر الذي أخرج الغضب من قمقمه ليبدأ في القدس وينتقل إلى الأراضي المحتلة. قبل تسلم جثمان أبو خضير وبعد تشييعه، والاشتباكات تتواصل في أحياء المدينة المحتلة، ثم انتقلت بسرعة إلى مدن الداخل، لكنها في البداية ظلت وسط تعتيم إعلامي نسبي بغية تحجيمها. لكن، مع استمرار الاشتباك في القدس وزيادة حدته، تحولت المظاهرات في مدن وبلدات المثلث الجنوبي إلى اشتباكات حقيقية، ثم ما لبثت أن انتقلت شمالاً إلى وادي عارة وأم الفحم، وجرى إغلاق شارع وادي عارة الرئيسي الذي يعتبر شرياناً رئيسياً يربط وسط فلسطين المحتلة بشمالها.
ليلة السبت الماضي امتدت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وشرطة الاحتلال إلى الناصرة (شمال)، فبدت شوارع المدينة الكبيرة كأنها في حرب حقيقية. ومساء الأحد انتشرت الشرطة الإسرائيلية في باقي قرى ومدن الجليل، كشفا عمرو وطمرة وعرابة وكفر مندا وغيرها. هذا كله أعاد أجواء انتفاضة الأقصى إلى أذهان الإسرائيليين الذين وقعوا في ارتباك بعد انتهاء مهلة الـ48 ساعة التي أعلنوها لوقف صواريخ قطاع غزة، ما اضطرهم إلى تمديد المهلة من أجل إيجاد حل للتصعيد في «الخاصرة الرخوة»، خوفاً من تطوره إلى انتفاضة شاملة تلحق بها الضفة المحتلة.
جراء هذا الضغط، خرج الصراع بين رئيس الوزراء الإسرئيلي بنيامين نتنياهو ووزيره أفيغدور ليبرمان إلى العلن، فوجّه الأول خطاباً قاسي اللهجة إلى فلسطينيي الـ48 قال فيه: «رشق الحجارة على الجنود والشرطة في دولة إسرائيل لا يمكن أن يمر»، مردفاً تهديده بطلب إلى «قيادات المجتمع العربي في إسرائيل» فحواه «إعادة الهدوء إلى ما كان عليه». طلبُ نتنياهو جرى العمل على تنفيذه سريعاً، فتوالت البيانات تباعاً من الأحزاب والحركات العربية مطالبة بتهدئة الشارع، كذلك ندّدت بما سمّته «العنف وتخريب الممتلكات العامة». ومع أنه لم يسجل اعتداء واحد من متظاهر على أي من المرافق العامة، فإن بعض أعضاء الكنيست العرب استنكروا بشدة إشعال متظاهرين النار في حاويات القمامة!

وعدت ليفني
بطرح ضائقة السلطات العربية المالية على مجلس الوزراء
من هؤلاء أيضاً رئيس بلدية الناصرة، علي سلام، الذي وصف المواجهات بـ«أحداث شغب يقوم بها زعران»، داعياً إلى «التهدئة ووقف التخريب». وفي موقف آخر، دعا رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، مازن غنايم، نتنياهو إلى اتخاذ خطوات ضد «أعضاء في المجلس الوزاري المصغر يحرّضون ضد الجمهور العربي في البلاد»، في إشارة إلى بعض الوزراء، ومنهم ليبرمان، علماً بأن حديث غنايم جاء خلال لقاء مع وزيرة القضاء تسيبي ليفني التي تعهدت له بطرح الضائقة المالية التي تعاني منها السلطات العربية على مجلس الوزراء. تعقيباً على هذا المشهد، يرى سكرتير اللجنة الشعبية للتضامن مع القيادة والشعب السوري في الداخل، وصفي عبد الغني، أن مثل هذه الدعوات «محاولات لإسكات الشارع»، مراهناً على «وعي شبابنا وجماهيرنا وقدرتهم على تمييز الغث من السمين». وقدّر عبد الغني في حديث مع «الأخبار» أن الرد من الشعب الفلسطيني جاء «استنكاراً للجريمة على بشاعتها، ولمنع سلطات الاحتلال من طمس معالمها كعادتها حين يتعلق الأمر بجرائم عصابات المستوطنين»، مشيراً إلى أن «هذا الرد عفوي ولا يحظى بدعم السلطة أو قيادات الأحزاب في الداخل على اختلاف مشاربها». هبّة غضب في الشارع يظهر جيداً أنها أحرجت القيادات العربية في لجنة السلطات القطرية والأحزاب، لذلك بدت بيانات الأخيرة خجولة ومربَكة، بل خارجة من مساحة ضيقة بين غضب الشارع وتهديدات نتنياهو، مع العلم بأن الأحداث الأخيرة منذ نهاية الأسبوع الماضي حتى أمس نتج منها مئات المعتقلين وأعداد كبيرة للجرحى. ورغم أنه لم يسقط حتى اللحظة شهداء بفعل خوف الشرطة الإسرائيلية من إشعال ذلك جذوة انتفاضة، تطالب كل الحكومة الإسرائيلية القيادت العربية بإسكات الحراك الشعبي ومنع تعميمه واستمراره. وفي محاولة للتهدئة (الأخبار)، ذكرت الإذاعة العبرية أن نتنياهو اتصل هاتفياً أمس بحسين أبو خضير، والد الفتى محمد، وأعرب له عن «صدمته وصدمة مواطني إسرائيل من عملية قتل ابنه النكراء»، متعهداً بمقاضاة القتلة «ونبذ تصرفهم الوحشي». لكن أبو خضير علّق على هذا الخبر بالقول لمصادر صحافية إنه «تلقى عشرات الاتصالات من أجانب وإسرائيليين لتعزيته» لكنه لم يكن على دراية بأن نتنياهو أحد المعزين، وفوجئ بما نشر في الإعلام، معرباً عن رفضه قبول تعزيته «لأنه من يصدر تعليماته بقتل الفلسطينيين».