بغداد | تستعد الأحزاب الكردية الرئيسية في إقليم كردستان العراق، وهي «الاتحاد الوطني» بزعامة الرئيس العراقي الغائب جلال الطالباني، و«الحزب الديموقراطي» برئاسة رئيس الإقليم مسعود البرزاني، وحركة «التغيير» المعروفة بـ«كوران»، لمرحلة جديدة من المتغيرات السياسية التي أفرزتها مرحلة ما بعد احتلال الموصل من قبل تنظيم «الدولة الاسلامية».
وفي وقت تنشغل فيه الأطراف السياسية العربية في العراق بالصراعات البينيّة، تبدو الجبهة الكردية، إلى الآن، متماسكة وقوية في مواجهتها السياسية مع بغداد، والتي بلغت ذروتها في استحواذ قوات «البشمركة» على المناطق المتنازع عليها، وعلى رأسها كركوك.
لكن هناك من يتلمّس الجمر تحت الرماد في الجانب الكردي، وأنه الهدوء الذي يسبق الصراع على النفوذ والثروة بين الأطراف الكردية الرئيسية، لتصبح المواجهة عبارة عن جبهات بينيّة كردية، تقابل مثيلتها في الجانب العربي.
ومفتاح التحوّل في المعادلة الجديدة هذه هو مدينة كركوك، مدينة الذهب الاسود، التي يسيل لعاب المتنافسين حولها، وتشعر الحائز لها بسطوته.
وبغض النظر عن التأثير الكبير لكركوك على التوازن العربي ــ الكردي، فإن استحواذ الاكراد لها يُتوقّع له أن يطيح نهج العقلانية التي تحكم الأطراف الكردية في ما بينها، وأنها ستكون أمام اختبار حرج لصراع الإرادات في كردستان.
من البديهيات التي ترسّخت بعد احتلال الموصل من قبل تنظيم «الدولة الاسلامية» أن معادلة سياسية جديدة ستحكم الصراعات البينية «العربية ــ العربية» و«الكردية ــ الكردية»، فضلاً عما هو حاصل الآن من صراع عربي ــ كردي.

كركوك ستكون
أمام اختبار حرج لصراع الإرادات في كردستان

وإذا كانت سيطرة «الدولة الإسلامية» على الموصل شكلت تحدياً مصيرياً لحكومة بغداد، إلا أنها كانت بمثابة الفرصة للأكراد لاقتناص المغانم، وهي أيضاً اختبار جدي للتوازن الحرج بين حزب «الاتحاد الوطني» بزعامة الرئيس المريض جلال الطالباني، والحزب «الديموقراطي» بزعامة مسعود البرزاني.
يقول المفكّر السياسي العراقي، حسن السيد سلمان، إن «الجبهة الداخلية الكردية في الظاهر شيء، وفي الباطن شيء آخر، وهي ليست متماسكة كما يتصوّر البعض، في ظل التوجهات السياسية المتناقضة واﻻنتماءات المختلفة».
وأوضح سلمان، في حديث إلى «الأخبار»، أن «بوصلة رئيس الاقليم مسعود البرزاني في الاتجاه التركي الغربي، فيما يميل اﻻتحاد الوطني إلى المحور الروسي الإيراني».
ويتوقع سلمان «خلافات حادة ستنشب بين الطرفين، إذا ما اتخّذ الإقليم قرار الانفصال، وأصرّ البرزاني على نهجه الحالي المعادي لإيران والموالي لتركيا، ويمكن أن تقع مواجهات مسلحة بين الجانبين، ما يؤثر في المنجزات اﻻقتصادية في كردستان».
لن تكون كركوك العقدة في العلاقة العربية ــ الكردية فحسب، بل إنها ستمثل شرارة لإشعال نار الخلافات المتراكمة بين الأطراف الكردية، لا سيما أن «الاتحاد الوطني» يعتبر المدينة مجالاً حيوياً له، سياسياً وجغرافياً واقتصادياً، وأن التنازل عنها يعني منح البرزاني فرصة لأن يصبح الحاكم المطلق لكردستان، لن ينازعه أحد فيها. وإلى الآن، فإن الخلافات الكردية جليّة في العلاقة مع المركز، حيث «الاتحاد الوطني» الأقرب إلى بغداد في سياساته من الحزب «الديموقراطي»، كما أن هذه الخلافات بين أطراف التحالف الكردستاني واضحة حول منصب رئيس الجمهورية، ما يؤجّل على الأرجح احتمال إعلان استقلال الإقليم عن العراق.
ولكي يظلّ التوازن قائماً بين الطرفين الكرديين، مع الاقتراب الزمني من النقاط الحرجة، وهي كركوك وإعلان الاستقلال، فإن كل طرف سيظهر عضلاته ويبرز تحالفاته، ما بين أنقرة القريبة من البرزاني، وطهران التي تنسجم مع سياسات الطالباني، فيما تبدو واشنطن كأنها تراقب المشهد عن بعد، من دون أن تكون لها رغبة في التدخل.
الصراع البيني الكردي المنضبط منذ عام 2003 بعد سقوط نظام صدام حسين، ظل على وتيرة واحدة من الهدوء، حيث لم تشهد تلك الفترة تحولات جوهرية تفضي إلى تصادم. أما اليوم، فإن ألغاز «ما بعد الموصل» تتطلب الاستعداد لمرحلة جديدة من التوازنات، يجري خلالها فتح كل الملفات العالقة، والتمترس خلف المكاسب والاستحواذ على ما يمكن من الأرض والثروة على حد سواء، في أي دولة كردية محتملة ترسم حدودها على أنقاض خريطة «سايكس ــ بيكو».