القاهرة | صمت دهراً ونطق... الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبعد أكثر من أسبوعين على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، ينقلب على مصر وتاريخها في دعم القضية الفلسطينية، متخذاً الموقف الأكثر تخاذلاً لرئيس مصري، حتى من أنور السادات نفسه. السيسي، الذي توجّه إلى الشعب المصري في كلمة مسجلة، لمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة «23 يوليو»، عبّر عن رؤيته في ما يتعلّق بالعدوان الإسرائيلي على غزة، من خلال وضع المقاومة وقوات الاحتلال في خانة واحدة. فعندما تطرق للحديث عن المبادرة المصرية، لم يدن السيسي العدوان الغاشم والمجازر، التي ارتكبتها قوات الاحتلال، خلال الأيام الماضية، مكتفياً بالتأكيد أن المبادرة لم تضمن أي شروط من أي طرف، وأن هدفها الأساسي تخفيف الاحتقان ووقف إطلاق النار وفتح المعابر وجلوس الطرفين، ليطرح كل منهما الملفات التي يريدها.
تحدث المشير، باقتضاب، عن الجهود التي بذلتها مصر منذ بداية الأزمة. لم يذكر كلمة المقاومة مطلقاً، مؤكداً في الوقت ذاته أن مصر بذلت جهوداً ديبلوماسية، من أجل وقف أي إجراءات تصعيدية من الطرفين، منذ واقعة اختطاف المستوطنين الإسرائيلين الثلاثة، الذين قتلوا قبل بداية العدوان.
مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو «التيار الشعبي» السفير معصوم المرزوق، قال لـ«الاخبار»، إن النظام السياسي القائم في مصر، لا يمكن أن يغيّر من أساسيات السياسية المصرية تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أن القوى السياسية لن تسمح له بذلك، مشيراً إلى أنها «لا تنظر إلى العبارات القليلة التي قالها السيسي على أنها معبرة عن الإرادة السياسية».
وأضاف أن «السيسي يدرك جيداً أنه لن يتمكن من تغيير نظرة الشعب المصري إلى القضية الفلسطينية، حتى لو حدث خلاف في وجهات النظر مع بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى أبعاد الأمن القومي المصري التي تتطلب دوراً مصرياً مهماً في القضية»، مؤكداً أن «مصر لا يمكنها تبرير الهجمات البربرية التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي».
المشير السيسي خاض أول اختبار حقيقي له في القضية الفلسطينية معتمداً على تاريخ من سبقوه من الرؤساء، خصوصاً الزعيم الراحل جمال عبد الناصر. وفي هذا الإطار، قال إن «مصر ستظل، بلا جدال، إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين باعتبار ذلك مسؤولية وطنية وأخلاقية ومن دون مزايدة من أحد لأننا نؤدي ذلك بكل الصدق والأمانة والشرف»، مضيفاً أن «مصر قدمت للقضية الفلسطينية 100 ألف شهيد وأكثر من ضعفهم من الجرحى والمصابين على امتداد تاريخ القضية الفلسطينية منذ بدايتها، كما تحمّلت الكثير من الأعباء الاقتصادية الهائلة في سبيل دعم القضية الفلسطينية».

تحدث المشير باقتضاب عن الجهود التي بذلتها مصر منذ بداية الأزمة

وأضاف: «ليس لأحد أن يزايد على مصر ودورها، وهو الدور الذي لم يقتصر فقط على الأخوة في فلسطين، ولكنه امتد على مستوى العالم العربي ككل، انطلاقاً من إدراك مصر لوضعها كدولة كبيرة ومسؤولة».
وأشار السيسي إلى أن مصر كانت تحرص دائماً على العمل على عدم خروج الأمور عن السيطرة، كذلك فإنها تعمل طول الوقت من أجل وقف نزف الدم الفلسطيني، عبر مطالبة الأطراف بضبط النفس.
ولكن الرئيس المصري تعمّد مع ذلك عدم ذكر اسم حركة «حماس» في خطابه، مكتفياً بذكر غزة والقطاع مقابل ذكر إسرائيل التي تجنّب أن يشير إلى أنها قوة احتلال. وفي سياق دفاعه عن موقف مصر الخارجي، بعد الانتقادات المباشرة التي تعرضت لها من قبل عدة عواصم، قال: «نحن المصريين قمنا بكل ذلك من أجل أشقائنا الفلسطينيين، وما زلنا لا ندع أي محفل إقليمي أو دولي، إلا نؤكد فيه حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية».
الصدمة أن المشير اكتفى بالتشديد على القدس الشرقية عاصمةً لفلسطين، الموقف الذي يختلف فيه مع الرؤساء السابقين الذين رفضوا المقترح الإسرائيلي بتقسيم القدس إلى شرقية وغربية. ولكن تعقيباً على ذلك، قامت رئاسة الجمهورية بتصحيح هذا الخطأ، بإرسال نص كلمة السيسي إلى الإعلاميين، حيث أكدت أن للشعب الفلسطيني الحق في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة طارق فهمي، قال لـ«الاخبار» إن السيسي أراد إيصال رسالة يؤكد من خلالها عدم تخلي الدولة المصرية عن القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه عبّر عن استيائه من تدخلات قطر وتركيا في الأزمة والمزايدة على الموقف المصري. وأضاف فهمي أن السيسي أراد الإعراب عن انزعاج من محاولات ثني مصر عن موقفها التاريخي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، بحكم دور مصر الإقليمي في المنطقة، بخلاف العوامل الجغرافية من وجود حدود مشتركة بين مصر وفلسطين.