الخرطوم | للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في منتصف نيسان الماضي، تمكّن الأول من الربط بين قواته المتمركزة في منطقة وادي سيدنا العسكرية في شمال مدينة أم درمان، وتلك المتواجدة جنوبي المدينة. إذ استطاع، الجمعة الماضي، فرض سيطرته على الطريق المؤدي إلى مقر «سلاح المهندسين»، منهياً الحصار الذي كانت فرضته «الدعم» على المقر، عبر إسقاطها جميع المناطق والأحياء السكنية المحيطة به، وإبقائه معزولاً عن باقي معسكرات الجيش، فضلاً عن شنّها هجمات متكررة عليه، باءت جميعها بالفشل، لاستماتة الجيش في الدفاع عنه.وتمتاز منطقة «المهندسين» ببُعدها الإستراتيجي، إذ تحوي «مستشفى السلاح الطبي» و«مستشفى علياء» العسكريَين، وهما أكبر المستشفيات العاملة حتى الآن. كما تعني السيطرة عليها التحكم بجسر «الفتيحاب» الذي يربط بين وسط الخرطوم المؤدية إلى القيادة العامة للجيش ومدينة أم درمان. ووفقاً لما رشح من معلومات، فقد عانت القوات المتواجدة داخل المقرّ من نقص في العتاد العسكري والذخائر، إضافة إلى نقص كبير في المواد الغذائية. وعلى إثر تمكّن الجيش من فكّ الحصار عن «المهندسين»، أعلن رئيس أركانه، محمد عثمان الحسين، إنجاز المرحلة الأولى ممّا سمّاها «خطة تطهير أم درمان»، معتبراً أن ما أُنجز «انتصار هام» و«مرحلة صعبة تم تجاوزها». كما أعلن الجيش، السبت الماضي، عن زيارة تفقدية أجراها قائده، عبد الفتاح البرهان، إلى مدينة أم درمان، وصف خلالها ما يحدث بـ«الانتصارات الكبيرة».
على أن «الدعم السريع» لا تزال تتواجد في بعض أحياء أم درمان القديمة، حيث تحتل مباني الإذاعة والتلفزيون، كما في أحياء كل من أم بدة والفتيحاب، إضافة إلى تواجدها في بعض أحياء مدينتي الخرطوم بحري والخرطوم. ويصف الخبير الإستراتيجي، اللواء المتقاعد أسامة محمد أحمد، انفتاح الجيش شمالاً ناحية «المهندسين» بـ«الطبيعي»، مشيراً إلى أن «الأخير تمكّن من امتصاص الصدمات والهجمات ضد سلاح المهندسين، إذ إن تجمع المهاجمين يسهل من إيقاع خسائر في صفوفهم». ويعتقد محمد أحمد، في حديث إلى «الأخبار»، أن «منهجية الجيش، في العشرة أشهر الماضية، نجحت في قطع الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع، وفصلها عن بعضها».
يهدّد الجوع أكثر من عشرة ملايين سوداني فارّ من الحرب وخمسة عشر مليوناً عالقين في مناطق القتال


على خطّ مواز، يبدو أن إعادة العلاقات الديبلوماسية السودانية مع إيران، والتي بدأت أولى خطواتها في تشرين الأول الماضي، عقب سنوات من القطيعة، هدفت عبرها الحكومة السودانية إلى الحصول على الدعم العسكري. وبحسب محللين، فإنّ الدعم الخارجي الذي تلقاه الجيش كان عاملاً رئيساً في تفوقه على الأرض أخيراً. وفي هذا الإطار، يؤكد محمد أحمد أن الجيش تلقى دعماً بالطرق الرسمية من قِبل عدد من الدول، ومن بينها إيران. ويقول: «لا يعدّ سراً تلقي الجيش دعماً خارجياً، فهو يحتاج إلى سند خارجي في هذه المرحلة، لسد النواقص لمواصلة المعركة حتى نهايتها»، مضيفاً أن «القيادة السياسية تمكنت من إحداث اختراقات ديبلوماسية لحشد الدعم السياسي والعسكري لموقف الحكومة من الحرب».
وعلى خلفية هذا الدعم، يبدو أن الحكومة قرّرت المضي في طريق الحسم العسكري، وتأجيل الحديث عن أي مفاوضات سياسية، أقلّه الآن. وفي هذا الإطار، أكد البرهان أن القوات المسلحة لن تضع السلاح إلا بعد القضاء على «المتمرّدين» في إشارة إلى «الدعم السريع»، داعياً الأخيرة إلى «الاحتكام إلى صوت العقل والخروج من ولايتَي الخرطوم و الجزيرة». وأضاف البرهان، لدى مخاطبته جنود الفرقة الثالثة مشاة شندي في ولاية نهر النيل: «طالما أنكم تقتلون وتنهبون وتسرقون، فلا مجال للحديث معكم إلا بعد انتهاء المعركة»، مؤكداً أن القتال «مستمر حتى دحر التمرّد ومن عاونه نهائياً». مع ذلك، يرى مراقبون أن قيادة الجيش لم تغلق الباب أمام التفاوض بصورة نهائية، علماً أنها «ظلت، طوال العشرة أشهر الماضية، متردّدة في حسم المعركة لأسباب خاصة بها، وكانت تميل إلى الحل عبر التفاوض الذي يضمن لها استمرارها في المشهد السياسي بعد الحرب»، بحسب المحلل السياسي، عادل عبد الرحيم.
وفي هذا الإطار، لا يستبعد مراقبون إبرام اتفاق ثنائي بين القوتين المتحاربتين بعيداً من القوى السياسية، وخصوصاً أن ثمة مكونات داخلية داعمة للجيش تسعى إلى إبعاد الأطراف المدنية الموقّعة على «الاتفاق الإطاري» من مشهد ما بعد الحرب، متهمةً تلك القوى بأنها الجناح السياسي لـ«الدعم السريع». وكانت طالبت الحركة الشعبية، كلّاً من قيادة الجيش و«الدعم»، بالإعلان عن تفاصيل الاجتماع السري الذي تم في العاصمة البحرينية، المنامة، والذي جمع بين القائد الثاني لـ«الدعم»، عبد الرحيم دقلو، ومساعد القائد العام للجيش، شمس الدين الكباشي، بمشاركة كل من الإمارات والسعودية والولايات المتحدة ومصر.
في هذا الوقت، وفيما يتواصل القتال في الخرطوم وولايات دارفور والجزيرة وكردفان، يهدد الجوع أكثر من عشرة ملايين سوداني فروا من الحرب، وخمسة عشر مليوناً لا يزالون عالقين في مناطق القتال. وقال «برنامج الغذاء العالمي» التابع للأمم المتحدة (WFP) إنه تلقى تقارير عن أشخاص يموتون جوعاً، فيما حذرت «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسف) من خطر المجاعة، موضحة أن 700 ألف طفل يعانون نقصاً حاداً في الغذاء، وأن عشرات الآلاف من الأطفال معرّضون للموت جرّاء ذلك، في حال لم تتم إغاثتهم. ويأتي هذا في ظل الصمت الدولي المستمر على ما يجري في السودان من قتل وتشريد، وعجز «المجتمع الدولي» عن الضغط على طرفَي الحرب لوقف الاقتتال وإن لأغراض إنسانية، علماً أن باريس دعت إلى عقد مؤتمر دولي في نيسان المقبل، بهدف تسليط الضوء على «الأزمة الخطيرة» التي يمرّ بها السودان.