الخرطوم | صوّت مجلس الأمن الدولي، بأغلبية أعضائه، الخميس الماضي، على قرار قدّمته بريطانيا يدعو جميع الأطراف المتقاتلة في السودان، إلى تبنّي وقف فوري للأعمال العدائية قبل حلول شهر رمضان. وإذ دعا القرار، الأطراف المتحاربة، إلى ضمان إزالة أيّ عراقيل أمام الهدنة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن من دون عوائق عبر الحدود أو عبر خطوط التماس، فهو شدّد على الامتثال لالتزامات القانون الدولي الإنساني في شأن حماية المدنيين والأعيان المدنية، فضلاً عن الالتزام بالتعهدات الواردة في «إعلان جدة». واعتبر نائب الممثلة الدائمة للمندوبة البريطانية في مجلس الأمن، جيمس كاريوكي، أن القرار يبعت برسالة قوية إلى الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» بضرورة الاتفاق على وقف فوري للحرب بينهما. ومع ذلك، ثمّة شكوك في مدى التزام طرفَي النزاع، بقرار الهدنة الصادر تحت «البند السادس»، والذي يفتقر إلى آلية التنفيذ على الأرض، فيما بدا لافتاً عدم دخول القرار حيز التنفيذ مع بدء شهر رمضان، حيث لا تزال عمليات الاقتتال مستمرّة بين الجانبين في عدد من المحاور، سواء في العاصمة أو في غيرها من الولايات، وتستمر معاناة سكان قرى ولاية الجزيرة من انتهاكات مقاتلي «الدعم».
وعلى الرغم من ترحيب الحكومة السودانية بالهدنة، إلا أنها رهنت الموافقة عليها بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جدة، أي انسحاب مقاتلي «الدعم السريع» من القرى والمدن والأعيان المدنية ووقف الانتهاكات ضدّ المدنيين وإعادة الممتلكات التي تم نهبها. وفي هذا السياق، قطع مساعد القائد العام للجيش وعضو "مجلس السيادة"، الفريق ياسر العطا، الطريق أمام أيّ إمكانية لوقف العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة، سواء خلال شهر رمضان أو بعده، إذ قال، خلال مخاطبته تخريج دفعة من جنود «حركة العدل والمساواة» في مدينة كسلا شرق السودان، إنه «ليست هناك هدنة بأمر الجيش والشعب»، ناقلاً عن القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، قوله: «ليست هناك هدنة مع أناس بلا قيم ولا أخلاق ولا دين». كذلك، أشار العطا إلى أن الهدنة «ممكنة» في حال انسحاب «الدعم» من مدن دارفور والجزيرة وكردفان وخروجها من العاصمة الخرطوم، مشدداً على عدم موافقة الجيش على الجلوس إلى طاولة التفاوض، «ما لم يتمّ الالتزام بشروط الهدنة»، المتمثّلة بـ«تحديد ثلاثة معسكرات في الخرطوم ومثلها في دارفور، ينسحب إليها الدعم بعد أن يسلّم معداته وآلياته العسكرية»، مضيفاً أن «التفاوض سيكون فقط لتطبيق العدالة، ومن تثبت براءته من الجرائم المنسوبة إلى قوات الدعم السريع يتمّ النظر في تسريحه أو دمجه».
من غير المستبعد أن يكون التحرّك الدولي في شأن السودان يستهدف فكّ الحصار عن «قوات الدعم»


في المقابل، أعلنت «الدعم السريع» ترحيبها بقرار مجلس الأمن، في بيان قالت فيه إنها تأمل بأن تسهم هذه الخطوة في بدء مشاورات جادّة تفضي إلى عملية سياسية ووقف دائم لإطلاق النار، معلنةً استعدادها للحوار حول آلية مراقبة متوافق عليها لوقف الأعمال العدائية. كما دعت «تنسيقية القوى الديموقراطية» (تقدم)، التي يرأسها رئيس الوزراء الأسبق، عبد الله حمدوك، إلى "الاستجابة لرغبة الشعب السوداني وتحقيق الهدنة خلال شهر رمضان ووقف الأعمال العدائية لإنقاذ الأرواح وتوفير الأمن للمدنيين". وناشدت "تقدم"، الجيش و"الدعم"، الجلوس إلى طاولة المفاوضات بمسؤولية بهدف تحقيق وقف شامل للعدائيات.
وفيما يرى مراقبون أن إمكانية التزام الأطراف بالقرار «غير مرجّحة»، فهم لا يستبعدون أن يكون هدف التحرّك الدولي في شأن السودان فك الحصار عن «قوات الدعم»، وخاصة تلك الموجودة داخل العاصمة الخرطوم، حيث يضرب الجيش حصاراً على مجموعات تتمترس داخل مباني الإذاعة والتلفزيون ومصفاة البترول شمالل الخرطوم، وتعاني نقصاً في الإمدادات العسكرية والوقود والمؤن. من جهته، يرى الخبير الاستراتيجي، اللواء المتقاعد أمين إسماعيل، أنه «حتى يطبّق القرار على الأرض، يجب الضغط على قوات الدعم السريع باعتبار أنها انتهجت خرق جميع الهدن التي تم الاتفاق عليها منذ اندلاع الحرب والبالغة 14 هدنة». ويضيف إسماعيل، في حديث إلى «الأخبار»، أن «قوات الدعم عمدت إلى خرق الهدن والاستفادة منها في إيصال الإمدادات وتوسيع عملياتها العسكرية، والهروب بالمنهوبات خارج البلاد»، مبدياً عدم تفاؤله بقرار الهدنة «ما لم يمتلك مجلس الأمن أوراق ضغط على الدعم»، ومستدركاً بأن «الدعم السريع في موقف عسكري ضعيف، على رغم أن أفرادها يمارسون السرقة والنهب، ولكن ليس لديها القدرة على القيام بعمليات عسكرية جديدة».
من جانبها، جدّدت وزارة الخارجية السعودية دعوتها أطراف النزاع إلى الالتزام بمحادثات جدة الرامية إلى «تحقيق مصالح السودانيين»، عبر الإسراع في الاتفاق على مشروع قرار وقف القتال وحلّ الأزمة السودانية عبر الحوار السياسي، علماً أن طرفَي النزاع لم يلتزما بالهدن التي خرجت عنها، وفشلا في الاتفاق على إجراءات بناء الثقة، الأمر الذي دفع الوساطة السعودية - الأميركية إلى تعليق التفاوض بين الجانبين، في كانون الأول الماضي، إلى أجل غير مسمى.