القاهرة | لم يدم صمت الرئيس عبد الفتاح السيسي على حكم البراءة الصادر بحق الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، ومعاونيه، طويلاً.صحيح أن «الجنرال» أعلن في بيان رسمي، قبل أيام، احترام مؤسسة الرئاسة لأحكام القضاء المصري واستقلاليته، لكن يبدو أن موجة التخوين التي تعرض لها ناشطو «25 يناير» من قبل قيادات نظام مبارك ورموزه، الذين عادوا إلى الحياة السياسية وإلى الظهور الإعلامي، بقوة، جعلت الرئيس المصري يتدخل بنفسه، لكن بطرق غير مباشرة، كي لا يتم، ربما، اعتبار موقفه اعتراضاً على حكم القضاء.

في المقابل، فإن الصحيح، أيضاً، أن تدخل السيسي بهدف إصلاح منظومة القوانين، المليئة بالثغرات، لن يؤدي إلى إعادة محاكمة مبارك على اتهامات قتل المتظاهرين إبان «الثورة» على نظامه.
وأعطى الرئيس المصري، أول من أمس، توجيهات للحكومة بسرعة تعديل الثغرات القانونية التي مكنت مبارك ورموز نظامه من الحصول على البراءة. وهي التوجهات التي بدأت الحكومة في تنفيذها، بالفعل، من خلال وزارة العدالة الانتقالية. وستُدخل الوزارة تعديلات تشريعية على قوانين جهاز الكسب غير المشروع لزيادة تفعيل قدرته على محاكمة المسؤولين وعدم إسقاط التهم بمرور 10 سنوات على ارتكاب الجريمة.
تعليمات الرئيس المصري يبدو أنها وصلت أيضاً إلى النائب العام وإلى الأجهزة الرقابية في الدولة، التي بدأت التحرك لتقديم بلاغات جديدة ضد مبارك، بهدف ضمان عدم خروجه من السجن، تجنباً لإثارة الرأي العام. ويعمل «الجهاز المركزي»، من جهته، على جمع الأوراق الخاصة بالإنفاق الزائد للرئاسة والأمور المخالفة للقانون، استناداً إلى اللوائح المالية الخاصة برئاسة الجمهورية، وذلك خلال السنوات التي سبقت تنحي مبارك عن السلطة.
وكان السيسي قد أعلن، أول من أمس، أنه يعتزم إصدار قانون يجرّم، أساساً، الإساءة إلى «ثورة يناير». وأكد أنه «يجري حالياً الإعداد لقرار جمهوري بقانون لتجريم الإساءة إلى ثورتي 25 يناير (كانون الثاني 2011) و30 يونيو (حزيران 2013)». وجاء ذلك خلال لقاء جمع السيسي إلى مجموعة من الإعلاميين المحسوبين على «ثورة 25 يناير»، في لقاء هو الأول من نوعه، يهدف إلى احتواء رد الفعل الغاضب لهؤلاء. وترافق ذلك، أيضاً، مع تدخل الرئيس المصري لإعادة الإعلامية، عايدة سعودي، مديرةً لشبكة «راديو هايتس»، التابعة للتلفزيون المصري، بعد يوم واحد من استبعادها بسبب انتقادها الحكم القاضي ببراءة مبارك.
مصادر قضائية: القيادة السياسية منزعجة حيال التصرفات التي صدرت عن رموز نظام مبارك

بدوره، كان النائب العام المصري، هشام بركات، قد أعلن، في اليوم ذاته، أنه قرر الطعن أمام «محكمة النقض» بحكم تبرئة الرئيس المخلوع، حسني مبارك. و«محكمة النقض» هي المحكمة العليا في القضايا الجنائية في مصر. وسبق لهذه المحكمة أن ألغت الحكم الأول الذي صدر في هذه القضية في حزيران 2012، وقضى بالسجن المؤبد لمبارك، وقررت إعادة المحاكمة أمام هيئة قضائية جديدة. وأمام محكمة النقض الآن خياران: إما تاييد الحكم أو إلغاؤه. ووفقاً للقواعد القانونية في مصر، فإن «محكمة النقض» إذا ألغت للمرة الثانية حكماً في نفس القضية تصبح ملزمة بأن تنظر بنفسها موضوع الدعوى للفصل فيها.
وفي حديث إلى «الأخبار»، تحدثت مصادر قضائية عن «انزعاج القيادة السياسية حيال التصرفات التي صدرت عن رموز نظام مبارك فور الحكم ببراءته، وعن عدم الرغبة في خروجه من مستشفى المعادي العسكري التي يقيم فيها لتلقي العلاج».
وفي قراءة لمواقف الرئيس المصري بعيد الحكم على مبارك وعلى معاونيه، اعتبرت عضو «حزب الكرامة»، نادية مبروك، أن «تحركات الرئيس تأتي لاحتواء الغضب بعدما تجاوز انتقاد ثورة يناير المدى المقبول، خاصة من قبل أنصار الرئيس، الذي يعتبر جزء منهم من أنصار الرئيس الأسبق مبارك». وأشارت إلى أن «النظام الحالي اعتاد التدخل لوقف الانتقادات بعد وصول الأمور لذروتها، لكن عادة ما تنتهي التحركات بلا نتائج جدية».
وتساءلت مبروك عمّا إذا «كان السيسي جاداً في منع الإساءة إلى ثورة 25 يناير حقاً، أم أن تدخله جاء كمحاولة لوقف الانتقادات التي بدأت توجه له في ظل قيام الشرطة باستخدام العنف ضد المتظاهرين في ميدان التحرير لفض اعتصامهم بعد الاعتراض على براءة مبارك». واعتبرت أن أمام الرئيس المصري الحالي «فرصة لإثبات ما إذا كان يقوم بالدفاع عن ثورة 25 يناير باقتناع حقيقي، أو أنه يحاول استقطاب الشباب الذين شاركوا فيها من أجل ضمان عدم معارضته له».
من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية في «الجامعة الكندية»، صلاح مدكور، لـ«الأخبار»، أن «تحركات الرئيس جاءت لتؤكد ذكاءه في التعامل مع تطورات الأوضاع الداخلية». ورأى أن «التحرك السياسي لاحتواء الشباب خطوة موفقة».