القاهرة | جاءت التعديلات الوزارية الأخيرة التي أعلنها رئيس الحكومة المصريّة الحالية هشام قنديل، أول من أمس، بعد هدنة قصيرة من السجال الذي دار بين جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، من جهة وبين القوى السياسية الليبرالية واليسارية من جهة أخرى، على خلفية الإعلانات الدستورية والاستفتاء على الدستور، الذي انتهى في 25 كانون الثاني الماضي بعد إعلان إقراره. وبدت هذه التشكيلات، التي شملت 10 وزراء، من بينهم وزراء مستقيلون منذ أيام، بمثابة ضخ مياه جديدة في بحيرة السياسة الراكدة، وذلك بتجديد الجدل والسجال بين السلطة والمعارضة. لكنه سجال غاب عنه الاستقطاب الحاد الذي ساد كل الأجواء السياسية طوال الشهرين الماضيين.
وكانت هذه التعديلات بمثابة نوع من التهدئة لقطاع من الشارع المصري، يتعاطف مع حكومة الإخوان المسلمين، لكنه لا يجد عذراً للرئيس محمد مرسي أو قنديل في الأداء السيئ للحكومة أو لجمودها.
التعديل الوزاري هذا شمل وزارات سيادية مثل المالية والداخلية، ووزارات خدمية كالتموين والاتصالات والنقل، بالإضافة إلى وزارة الطيران والبيئة والكهرباء والتنمية المحلية ووزارة الدولة للشؤون القانونية والبرلمانية.
أما لجهة التداعيات، فقد تجدد السجال بين المعارضة والحكومة على خلفية هذا التعديل لأكثر من وجه، فالتعديل جاء بثلاثة وزراء جدد هم محمد علي بشر، محافظ المنوفية السابق لوزارة التنمية المحلية، وحاتم عبد اللطيف، لوزارة النقل والموصلات، وباسم عودة، وزيراً للتموين. وهؤلاء وزراء ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، بحيث ارتفع عدد الوزراء المنتمين إلى الجماعة وحزبها إلى 8 وزراء من أصل 35 وزيراً، هم قوام الحكومة المصرية الحالية. وذلك بالإضافة إلى وزير المالية ذي الخلفية الإسلامية، والقريب نسبياً من جماعة الإخوان. ومن ثم تحتفظ الجماعة بخمس وزارات هي الإعلام والقوى العاملة والتعليم العالي والشباب والإسكان.
ردّ الفعل بدا واضحاً لدى المعارضة المصرية، إذ دفعت هذه التطورات قيادات داخل جبهة الإنقاذ والتيار الشعبي والتيار الليبرالي إلى اتهام الرئيس مرسي، وجماعة الإخوان بالمضي قدماً نحو « أخونة الدولة»، والسعي إلى تكريس هيمنة الإخوان ومقدمة لتزوير الانتخابات المقبلة، المتوقع اجراؤها بعد شهرين، إما بتعيين وزراء من داخل الجماعة أو قريبين منها أو الإبقاء على الساعين لإرضائها كوزير التربية والتعليم، الذي اتهمته نقابة المعلمين المستقلين بالتعسف ضد أعضائها، أو وزير الصحة. فضلاً عن اعتبارها أن هذا التعديل لن يؤثر في تغيير بنية التعامل الإخواني أو جوهره مع الواقع المصري.
في المقابل، وصف القيادي الإخواني عضو مجلس الشورى، جمال حشمت، اتهامات المعارضة بأنها تدل على «إفلاس سياسي»، وأنه سبق أن أشاعت المعارضة فكرة تزوير الاستفتاء، متابعاً أن من حق الحزب الحاكم أن يُمكّن كوادره لأنه المسؤول أمام الشعب.
ونفى حشمت في ذات الوقت وجود «أخونة» للدولة، متسائلاً عن وجود معنى لهذه الأخونة، فيما عدد وزراء الإخوان 8 فقط من 35 أي أقل من الثلث أو الربع، وعدد المحافظين 4 من أصل 27 محافظاً، معتبراً أن الشعب في الانتخابات المقبلة هو من سيحدد ما إذا يريد التمكين للإخوان في الحكومة أو لا.
أما المعارضة القريبة من الإخوان كحزب الوسط، فكانت تمثل الوجه الثاني للسجال، فقد ذكر أمين الإعلام للحزب في الإسكندرية أحمد فتحي الجميل في حديثه لـ«الأخبار»، أن مشكلة الحزب الرئيسية تكمن في ضرورة تغيير الدكتور قنديل وأن يكون رئيس الحكومة رجل سياسة أو اقتصاد، لأن هذا ما تحتاجه الدولة حالياً، معتبراً أن التعديلات لن تحدث تغييراً جوهرياً في المناخ السياسي.
وأعرب عن سعادته في الوقت نفسه، لاستبعاد بعض الوزراء «الفلول» من الحقبة السابقة، لافتاً إلى أن استقالة القيادي في حزب الوسط محمد محسوب، من منصب وزير الدولة للشؤون القانونية والنيابية بعد الاستفتاء، كان احتجاجاً مطابقاً لفكرة الحزب. أما الوجه الأخير للسجال الدائر حول هذا التعديل، فهو عدم شعور النشطاء وبعض من شباب الثوار بأنه يقطع خطوات جادة لإقرار العدالة الاجتماعية أو تطهير الداخلية، وأن الأمر مجرد «تغيير ولاءات» فقط وليس تطهيراً جذرياً. أما التهدئة التي أحدثتها التعديلات، فكانت في صورة استبعاد بعض الوزراء الفلول الذين كان تعيينهم أحد أهم أسباب السخط الشعبي على حكومة قنديل الماضية. فوزير المالية السابق ممتاز السعيد، كان أحد رجال وزير المالية في عصر حسني مبارك، بطرس غالي، بينما كان اللواء أحمد زكي عابدين وزير التنمية المحلية، محافظاً لأكثر من مرة في عصر مبارك، فيما كان وزير النقل المُقال عقب حادثة أسيوط، من أكثر الوجوه المرفوضة شعبياً وداخل وزارته بعد تجدد أزماته مع العاملين في الوزارة.
وكان وزير الداخلية أحمد جمال الدين، هو مصدر الهجوم الأكبر على الرئيس مرسي وحكومة قنديل، سواء من الإخوان أو من الثوار، لما كان له من أدوار سلبية وصلت إلى حد اتهامه بالتواطؤ، في واقعة الاتحادية ومسجد القائد إبراهيم وأحداث محمد محمود الثانية ومحمد محمود الأولى، العام الماضي قبل أن يتولى الوزارة.
وتُعَدّ هذه التعديلات خطوة من مرسي وقنديل لإشعار الشارع بأن ثمة مراجعات ومحاسبات وتعديلات تجري في أروقة الحكم والسياسة المصرية، بما يقلل من احتمالات وجود غضب عارم في 25 كانون الثاني المقبل، الذي دعت قوى كثيرة للخروج على النظام الحاكم فيه.