عديدة هي المبادرات التي خرجت طوال الأسبوع الماضي من غالبية الأطراف الرئيسية التي تبرز على سطح المشهد السياسي المصري بالتوازي مع تصاعد الأحداث منذ الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، حتى تاه المواطن العادي في ثناياها متسائلاً: «إذا كان الجميع يطرح مبادرات للخروج من الأزمة فلماذا الخلاف قائم وما الذي يعطل الحل؟».
الإجابة تأتي في ما تحمله هذه المبادرات ما بين سطورها. غالبيتها تحتوي على كلمات وأفكار قد لا يكون هناك خلاف على جوهرها أو عليها من حيث المبدأ، كضرورة نبذ العنف وأهمية الحوار. إلا أن المشكلة تكمن في ثنايا هذه المبادرات أو في ثنايا الواقع المصري ذاته، والتي تثبت ما قاله الأقدمون من أن «الشيطان يكمن في التفاصيل». وعلى الرغم من أن كثيراً من المبادرات قد خففت من سقفها لإتمام الحوار أو من بنودها وتحديداً جبهة الإنقاذ والمعارض محمد البرادعي، ووضع الجبهة وكذلك البرادعي شروطاً أمام الرئيس محمد مرسي عقب إطلاق دعوته السبت الماضي للحوار، والبرادعي تحديداً طلب حضور الداخلية والجيش، إلا أن بعض هذه الشروط اعتبرتها جماعة الإخوان المسلمين، صاحبة الأغلبية في مجلس الشورى «شروطاً تعجيزية». كما رفضتها بعض القوى السياسية الإسلامية، كالجبهة السلفية، التي تتهم الإخوان بالتساهل ولا تقبل أيضاً بهذه الشروط.
ولعل أكثر الشروط اثارة للخلاف هو الإصرار لدى كثير من الأطراف السياسية في مبادراتهم، كمبادرة حزب النور وجبهة الإنقاذ ورؤية حزبالوسط ورؤية حزب الإصلاح والنهضة، على إقالة حكومة هشام قنديل التي وصفوها بالفاشلة، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني حتى إجراء انتخابات مجلس الشعب المقبلة. وهو ما اعتبرته جماعة الإخوان على لسان متحدثها الرسمي، أحمد عارف، بأنه أمر من الخيال بسبب عدم حدوث توافق من القوى السياسية بشكل كامل الآن، فضلاً عن أنه يحتاج إلى أن تكون الحكومة متوافقة مع القانون والدستور وبرعاية مؤسسة الرئاسة.
ثاني هذه التفاصيل هو ما توافق عليه حزب النور وجبهة الإنقاذ في مبادرتهما، ولمّح إليه عدد من الشخصيات السياسية، عن ضرورة إقالة النائب العام الحالي وترشيح مجلس القضاء الأعلى لثلاثة قضاة يتم الاختيار من بينهم. وهو الأمر الذي يراه الإخوان من المستحيلات بدعوى أنه مخالف للدستور ويصعب تنفيذه حتى من قبل رئيس الجمهورية.
أما الخلاف الرئيسي الثالث فيكمن في بندين توافق عليهما شكلياً جميع الأطراف، وهما تعديل بعض بنود الدستور الخلافية وإعادة النظر في بعض مواد قانون انتخابات مجلس الشعب. إلا أن التصريحات المسبقة لكل الأطراف حول هاتين النقطتين، تنبئ بعدم التوافق عليهما. فالرئاسة تؤكد أن الحوار بلا سقف، لكن «من شروطه ألا يكون مشروطاً»، فيما رأى القيادي الإخواني عصام العريان في تصريحات صحافية أن هناك 3 مواد تسبب الاحتقان السياسي. وهي الخاصة بالمدة الانتقالية للرئيس والبقاء على مجلس الشورى عاماً، وعزل رموز الحزب الوطني المنحل سياسياً، فيما لوحت الجماعات الأكثر صرامة من الإخوان بالمساس بالمواد 2 ، و 219 الخاصتين بالشريعة الإسلامية، هذا فضلاً عن التباين الذي سيحدث عند الاتفاق على بنود تعديل قانون مجلس الشعب في ظل هذا الاستقطاب.
في ظل هذا الكم من التباين، تبقى المبادرات مجرد حبر على ورق، وسط غليان في الشارع المصري، يخشى الكثير من المراقبين أن يتطور في الأيام المقبلة في حال عدم رغبة أي طرف في تغليب الحلول الوسطية وتخطي شيطان التفاصيل. مشهد يرى فيه الكثيرون مدخلاً لعودة الجيش إلى الساحة، إذا لم تتمكن الأطراف السياسية من ترجمة كل هذه المبادرات إلى حلول عملية تنعكس تهدئة للأوضاع.