تونس | للمرة الثانية، يهدّد الرئيس المؤقت محمد المرزوقي بالاستقالة إذا استقال رئيس الحكومة حمادي الجبالي. الأخير يواجه «صقور» حزبه (حركة النهضة) الذين رفضوا التنازل عن وزارتي العدل والخارجية، وهو الشرط الأول لشريكيهم في الحكم «التكتل» و«المؤتمر»!
رئيس الحكومة حمادي الجبالي يواجه وضعاً لا يحسد عليه بسبب التعديل الوزاري، فرغم ما بذله من جهود لتقريب وجهات النظر بين رؤية مجلس الشورى لحركة النهضة وقيادتي التكتل والمؤتمر، إلّا أنّ جهوده باءت بالفشل أمام تعنت الأطراف الثلاثة، وتمسّك كلّ طرف بشروطه. وقد تسرّبت بعض الأخبار غير المؤكدة عن نية الجبالي الاستقالة بعد أسبوع، إن لم يتم التوصل إلى اتفاق. وهي المهلة نفسها التي طلبتها النهضة للردّ على مقترحات الشريكين، وكذلك حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي قرّر مجلسه الوطني، مساء السبت، مغادرة الائتلاف الحاكم إن لم تتمّ الاستجابة لشروط الحزب، وهي إقالة وزيري العدل والخارجية وتعويضهما بشخصيتين مستقلتين، وذلك في أجل أقصاه أسبوع. بدوره، لا يزال المكتب السياسي لحزب التكتل متمسكاً بإقالة وزير العدل، في مطلب «لا تراجع عنه مهما كانت الظروف».
يمرّ الائتلاف الحاكم بمأزق، يبدو من الصعب الخروج منه، فالشروط التي وضعها حزب المؤتمر تُعتبر شبه مستحيلة، فهو لا يطلب إقالة وزيرين فقط، بل يطالب أيضاً بإبعاد كل المسؤولين في دواوين الوزارات الذين عملوا مع النظام السابق. وهذا مطلب شبه مستحيل، لأنّه سيترتب عنه إفراغ لهياكل الدولة. كما يطالب بإحداث لجنة في رئاسة الحكومة تجمع الأحزاب الثلاثة للنظر في كل التعيينات السابقة والمقبلة. مراقبون اعتبروا أنّ هذه الشروط تعجيزية، وتهدف إلى فكّ الارتباط مع حركة النهضة، والاستعداد للمعركة الانتخابية المقبلة، بعدما تبيّن صعود شعبية أحزاب المعارضة في آخر استطلاعات الرأي.
هذه القراءة لحزب المؤتمر للوضع الراهن، يشاركه فيها أيضاً حزب التكتل من أجل العمل والحريات، إذ فقد هو الآخر معظم أنصاره وقواعده بسبب تحالفه مع «النهضة». وكانت قيادته تراهن على لعب دور في كتابة الدستور يكون له أفق حداثي وتنويري، يتماشى مع هوية الحزب، إلا أنّ النتيجة جاءت مخيبة للآمال، وبالتالي لم يبقَ أمام الحزب سوى الانسحاب والانضمام للمعارضة.
قيادة النهضة لا تنقصها الفطنة ولا الذكاء لفهم أن شريكيها يتعاملان معها منذ البداية بـ«انتهازية» سياسية، فبدونها لا يمكنهما أن يحصلا على حقائب وزارية، لكنّها تدرك أيضاً أنّها بحاجة إليهما حتى لا تظهر بثوب الحكومة الإسلامية، التي تخيف الغرب. فحركة النهضة بحاجة إلى حليفيها، لكن الجناح المتشدد فيها حسم أمره، ولم يعد يقبل ما سماه بعض القياديين «الابتزاز». ولعلّ السيناريو المصري شجّع هذا الجناح بالدفع نحو فكّ الارتباط مع الشريكين، واعتبار التخلي عن الوزارتين السياديتين مؤشر ضعف، وتقليصاً غير مبرّر لنفوذ النهضة في الحكومة.
هذه الأزمة ألقت بظلالها على الحركة، التي تؤكد كلّ المؤشرات وجود تباينات كثيرة في مواقف قادتها. فشقّ «الصقور» قرّر فك الارتباط مع شريكيهما وتشكيل حكومة جديدة دون بحث عن الوفاق الذي يطالب به الجميع والمضي في خيار «التطهير» لإعداد أرضية تسمح للحركة بالفوز بالانتخابات المقبلة بأغلبية مريحة.
هذا الرأي، الذي يتبناه بعض قياديي النهضة، يغفل معطى أساسياً وهو أنّ الحزب الإسلامي لا يملك الأغلبية في المجلس التأسيسي، ويحتاج إلى ٢٠ صوتاً للحصول على الأغلبية المطلقة، وأنه ليس من المضمون أن تجمع هذه الأصوات إذا تخلت عن شريكيها، في الوقت الذي يستطيع فيه المؤتمر والتكتل بالتحالف مع بقية الكتل تشكيل أغلبية جديدة، وبالتالي إسقاط الحكومة!
أزمة التعديل الوزاري ستنتهي خلال الأسبوع الجاري، إمّا بموافقة مجلس شورى النهضة على مطالب الشريكين، وبالتالي نجاح رئيس الحكومة في تشكيل حكومة جديدة وفق شروط التكتل والمؤتمر، أو بتعنت قيادة النهضة وبالتالي دخول البلاد في أزمة سياسية قد تزيد في تعكير أزمتها الاقتصادية وهشاشة الوضع الأمني.
وفي انتظار أن يكشف التعديل عن أسراره، تبقى كل الاحتمالات واردة.