الانفجار. ربما كانت الكلمة الأقرب لوصف ما حدث بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، بعد الطريقة التي أقيل بها مستشار الرئيس المصري لشؤون البيئة، خالد علم الدين، المنتمي إلى حزب النور السلفي وسبّبت بكاءه في مؤتمر صحافي عقده أمس، وما استتبع ذلك من هجوم عنيف من قبل حزب النور على الرئيس محمد مرسي، ما يوحي بأن العلاقة بين الإخوان والسلفيين قد بلغت ذروتها من التوتر.
ردّ «النور» على إقالة علم الدين واتهامه باستغلال منصبه لم يتأخر كثيراً بعد استقالة مستشار الرئيس الآخر من حزب النور، بسام الزرقا. وأدلى المتحدث باسم النور، نادر بكار، بتصريحات نارية دعا فيها مرسي إلى الاستقالة.
علم الدين أرجع، في حديث مع «الأخبار»، سبب إقالته إلى ثلاثة أسباب رئيسية، رأى أنها سياسية، وهي رؤيته التي كانت معارضة للرئاسة والحكومة في العديد من الأمور وأعلنها كثيراً. كذلك تحدث عن تحركه الفاعل على الأرض ونشاطه الكبير الذي أقلق الرئاسة، مبيّناً أن دوائر في الرئاسة طلبت منه تخفيف هذا النشاط. أما السبب الثالث والأخير فأرجعه إلى مبادرة حزب النور التي أزعجت الإخوان واعتبروها نوعاً من المكايدة السياسية، مشدداً على أنه لن يقبل إلا باعتذار من الرئيس محمد مرسي شخصياً، واصفاً ما جرى معه بأنه «نوع من العمى السياسي، ونصب واحتيال، بعدما لم يجدوا عندي شيئاً». ولفت إلى أنه سيتوجه إلى النائب العام للمطالبة بالتحقيق معه في ما نسب إليه من استغلال لمنصبه.
لكن ما عكس ذروة التخبّط في المسألة برمّتها، ووصول الأمر إلى الانفجار بشكل علني، إعلان بكار في المؤتمر الصحافي أن المستشار القانوني للرئاسة محمد فؤاد جاد الله قد اتصل بالحزب مبلغاً إياه اعتذار الرئاسة عن طريقة إقالة علم الدين، وأنها ستخرج ببيان لتوضيح ملابسات الأمر، وهو ما نفاه جاد الله، لكنه حاول تخفيف حدة الأزمة بالقول «لم يصدر عن مؤسسة الرئاسة بيان يتهم علم الدين بأي شيء، ولم يصدر أي اعتذار عنه أو عن مؤسسة الرئاسة، وأنه لم يُدن علم الدين، والاتهامات كانت موجهة لفريق عمله».
هذا الحديث دفع بكار إلى إطلاق تصريحات نارية على حسابه في موقع تويتر قائلاً «محمد فؤاد جاد الله اعتذر بالفعل للمهندس أشرف ثابت، ووعد باعتذار من الرئاسة وتحقيق مع من سرّب خبراً كهذا إلى الإعلام. وإذا كانت الرئاسة تقيل بالشبهات فقط من دون تحقيق، فالأولى أن تقيل د. ياسر علي لأنه استدعي بالفعل إلى النيابة. وإذا كانت الرئاسة تقيل بالشبهات من دون تحقيق، ندعوها إلى إقالة وزير الطيران لشبهة تعيينه نجل الرئيس دون باقي دفعته بالواسطة. وإذا كانت الرئاسة تقيل بالشبهات، يجب على الرئيس نفسه أن يقدم استقالته لشبهات تورط بعض مرؤوسيه في قتل المتظاهرين عمداً. وإذا كانت الرئاسة تقيل بالشبهات، فلتحدثنا عن صفة خيرت الشاطر التي تكلم بها عن تحركات مرصودة لأطراف في الداخل والخارج لم يسمّها».
هذا الانفجار كان هو ذروة ما وصلت إليه طبيعة العلاقات بين السلفيين والإخوان في مصر بعد فترة من الصراع المكتوم الذي بدأ يتصاعد بشكل متزايد خلال الشهر الماضي، عقب الاستفتاء على الدستور. ويبدو أن اقتراب الانتخابات واستمرار حالة المفاصلة الجارية في مصر بين كافة التيارات حتى المتشابهة منها جعلا الانفجار يبدو حتمياً.
هذا المشهد الأخير كشف، وفقاً لما أكده مصدر مقرّب من مؤسسة رئاسة الجمهورية، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ«الأخبار»، حالة التخبّط الموجودة داخل المؤسسة نتيجة عدم خبرة من فيها، معتبراً أن رئاسة الجمهورية لم ترتق إلى مؤسسة. وتحدث عن سيطرة الإخوان عليها بشكل شبه كلي، مشدداً على أنها أدخلت نفسها في صراعات حزبية وليست مؤسسة مستقلة.
خليل عناني، الخبير في الحركات الإسلامية، لخّص ما يعكسه المشهد قائلاً «الثورة قامت في وقت لم يكن فيه التيار الإسلامي مستعداً للحكم. فالإخوان ليس لديهم قدرة على إدارة الدولة وتدبير قضايا المعيشة اليومية، والسلفيون ليس لديهم خبرة سياسية، والجهاديون لا يزالون أسرى الماضي». وأضاف «الإسلاميون محافظون في زمن ثوري، إقصائيون في زمن متعدد، سلطويون في زمن ديموقراطي».
أما عمر غازي، الباحث في مركز الدين والسياسة، فأكد لـ«الأخبار» أن «مواقف حزب النور السياسية الأخيرة، بدءاً من مبادرته الداعية إلى الحوار مع جبهة الإنقاذ، وإقدامه على تقديم مطالب سياسية من الرئاسة أسوةً بالمعارضة، مروراً بانتقاد رئيس الحزب ومتحدّثه الرسمي لأخونة الدولة والحديث عن الوعود غير المنجزة، أربكت حسابات جماعة الإخوان المسلمين، وجعلت الحزب السلفي في مرمى النيران من السلطة الحاكمة بعدما شكلت خطوته الصادمة ضغطاً كبيراً على الحزب الحاكم والجماعة».
فموازين الرهان اختلّت على الأرض، لأن حالة الاستقطاب الإيديولوجي بطبيعة الحال ستنكسر حدتها، بعد ترحيب جبهة الإنقاذ بمبادرة النور، ما يعني أنه ليس كل منتقد للإخوان ومرسي كارهاً للإسلام ويهدف إلى إسقاط المشروع الإسلامي كما كان يروّج إعلام الجماعة، وهو ما أوقع الإخوان في حرج بالغ.
في ظل هذه المعطيات، لم يكن مفاجئاً إقصاء النور من مؤسسة الحكم بفضيحة أخلاقية لتكون بمثابة انتقام من مواقف الحزب الأخيرة. وهو ما دفع النور ليخرج من مؤسسة الرئاسة بشكل نهائي، من دون أن يعني خروجه نهاية الأحداث في مسلسل الطلاق بين الإخوان والدعوة السلفية، كبرى الكيانات السلفية وجناحها السياسي حزب النور. ورجّح غازي أن يتحالف النور، الذي تحدثت مصادر في الإخوان عن مساعي لاحتواء الأزمة معه، مع قوى غير إسلامية، أو قد يخوض الانتخابات منفرداً.
وبالرغم من احتمال تناقص حصة النور في البرلمان، يريد النور من خلال مواقفه أن يقول إن لديه رؤية مختلفة لإدارة البلاد، وإنه في حالة فشل الإخوان لا يتم تحميله أو التيار السلفي أخطاء المرحلة. فسقوط الإخوان لا يعني سقوط الإسلاميين أو فشلهم. وهذه رسالة مهمة يراهن عليها النور.