تونس | تمخّض الجبل فولّد فأراً، هذا ما يمكن استنتاجه من تشكيلة الحكومة الجديدة، التي أعلنها مساء أمس رئيسها علي العريض، الذي يقدّم حكومته لنيل ثقة المجلس التأسيسي اليوم أو الاثنين. تشكيلة الحكومة الجديدة ضمت 27 وزيراً، من بينهم سبعة وزراء جدد وعشرة كتاب دولة بين جدد وقدامى. وتمثّل الحكومة الجديدة ائتلافاً بين الأحزاب الثلاثة، التي كانت تشمل الائتلاف السابق مع بعض المستقلّين المعروفين بقربهم من حركة «النهضة». وجاءت الحكومة الجديدة لتؤكّد العزلة، التي تعيشها «الترويكا»، وخصوصاً حركة «النهضة»، التي أخفقت في إقناع الأحزاب السياسية ذات الثقل بالالتحاق بالحكومة، رغم ما قدّمته «النهضة» من تنازلات، وأهمها التخلّي عن وزارات السيادة الثلاث، وهي: العدل والداخلية والخارجية، وأضيفت إليها الدفاع بعد استقالة الدكتور عبد الكريم الزبيدي. واختير ثلاثة قضاة لوزارات العدل والداخلية والدفاع. أما وزارة الخارجية، فقد اختيرت شخصية دبلوماسية قديمة مشهود لها بالكفاءة، هي عثمان الجارندي. فيما حافظ عدد من الوزراء على حقائبهم، وهم الفلاحة والثقافة والرياضة والمرأة والشؤون الدينية والشؤون الاجتماعية وأملاك الدولة والتجهيز والإسكان والنقل وحقوق الإنسان وتكنولوجيا الاتصال.
وغادر الحكومة وزير الشؤون الخارجية رفيق عبد السلام، صهر زعيم حركة «النهضة»، راشد الغنوشي، الذي أثار الكثير من الجدل، وخصوصاً بعد الفضيحة المعروفة بـ«شيراتون غيت»، التي فجرتها المدونة ألفة الرياحي. كذلك غادر كاتب الدولة الهادي عباس من حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، المكلف الشؤون الأميركية والآسيوية، وكاتب الدولة التهامي العبدولي، المكلف الشؤون الأوروبية، وهو من حزب «التكتل من أجل العمل والحريات». كذلك غادر وزير التربية عبد اللطيف عبيد من «التكتل»، الذي كان محل انتقادات من قوى المعارضة، وخصوصاً من نقابات التعليم.

حكومة من دون أنصار

لقد نجحت حركة «النهضة» في المحافظة على حليفيها «المؤتمر» و«التكتل»، لكنّها لم تنجح في إقناع شركاء جدد بالالتحاق بها. وكان قادة «النهضة» قد أعلنوا أكثر من مرة أن التحالف الجديد سيكون أقوى وأكثر تماسكاً وأكثر عدداً، لكن كل رهاناتها على أحزاب «التحالف الديموقراطي» وحركة «وفاء» و«كتلة الكرامة والحرية» وحزب «الأمان»، فشلت. أما أهم قوى المعارضة مثل «الجبهة الشعبية» و«الاتحاد من أجل تونس»، فقد رفضت منذ البداية الدخول في الحكومة أو مساندتها، وكذلك حركة «الشعب»، التي رفضت الدخول في الحكومة. وهكذا أصبحت حركة «النهضة» وحليفاها أقل ضعفاً وأكثر عزلة؛ إذ تجمع القوى السياسية والاجتماعية وحتى منظمة «الأعراف» (رجال الأعمال) على ضعف الحكومة، التي جاءت بنفس منطق المحاصصة، بعيداً عن الوفاق الذي طالبت به أغلب قوى المعارضة لتخليص البلاد من أزمتها.
ورغم أنه يتوقع أن تحظى الحكومة الجديدة بثقة المجلس التأسيسي بحساب الأصوات (١٠٩)، فإنها لن تحظى بأي صدقية سياسية، وستواجه ضغط الشارع، مع وجود مجموعة من الملفات الساخنة، أهمها الارتفاع الجنوني للأسعار بسبب التهريب والاحتكار، وانتشار السلاح وهشاشة الوضع الأمني، إضافة إلى قضية حل رابطات حماية الثورة وتحديد موعد نهائي لعمل الحكومة، اقترح حزب «التكتل» أن يكون في ٣١ كانون الأول من السنة الجارية، مع تعهد عدم الترشح للانتخابات المقبلة.
بدورها، هدّدت الجبهة الشعبية بإسقاط الحكومة من طريق التظاهرات في الشارع، ما لم تبدأ في إجراءات عملية لحل رابطات حماية الثورة والتسريع في محاسبة المعتدين. وطالبت قوى المعارضة بتحييد المساجد، التي تستعملها حركة «النهضة» والسلفيون وحزب «التحرير» في الدعاية السياسية وتجريم المعارضين. ويتوقع أن تكون المساجد من بين المعارك الأساسية التي ستخوضها المعارضة ضدّ حكومة العريض، التي ستكون في وضع هشّ بسبب انعدام المساندة السياسية وغياب الوفاق.
وتنبأ رئيس الحكومة المستقيل حمادي الجبالي، بفشل الحكومة الجديدة، وتنبأ بذلك أيضاً نجيب الشابي ومية الجريبي، القياديان في الحزب «الجمهوري»، إضافة إلى قياديين في أحزاب «نداء تونس» و«المسار الديموقراطي» و«الحزب الاشتراكي» وحزب «العمل الوطني الديموقراطي».
من جهته، أكد علي العريض في بيان الحكومة أن كل الشعب التونسي مطالب بأن يساند الحكومة، وخاصة في ملف الأمن الذي يمثل الهاجس الأكثر إزعاجاً للتونسيين. والتزم أن تتجاوز حكومته نهاية السنة الجارية، كي تسلم مهماتها في انتخابات شفافة، سيحدد موعدها لاحقاً المجلس الوطني التأسيسي والهيئة المستقلة للانتخابات.
لقد فرضت مجموعة الصقور في مجلس شورى «النهضة» رؤيتها لتشكيل الحكومة الجديدة، عندما دفنت مبادرة أمينها العام حمادي الجبالي، لكنّها لم تنجح في تمكين العريض من تشكيل حكومة تحظى بإجماع أو بوفاق أكبر؛ إذ أُنتجت الحكومة نفسها بغالبية وجوهها القديمة، لذلك استقبل الشارع التونسي الحكومة الجديدة بالكثير من البرود، ولم تحدث الصدمة المرجوة. لقد ورثت «الترويكا» نفسها مع كثير من فقدان الحماسة واليأس الذي تسلل إلى الشارع التونسي في غياب الدستور وخريطة طريق لتنظيم الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية.
السؤال الذي يشغل بال التونسيين اليوم هو المسار الذي ستتجه إليه البلاد غداً، فهل تنجح الحكومة الجديدة والخامسة في عامين في طمأنة التونسيين الذين لفتوا الأنظار بثورتهم التي بدأ رصيدها يتآكل؟