رام الله | أيام قبل زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لرام الله. طائرات عسكريّة أميركية تحطّ في مقرّ المقاطعة. انتشار أمني كثيف في المكان، وسط حديث قيادات أمنية في السلطة عن «تكريس السيادة الفلسطينية»، واضطلاع الأمن الفلسطيني بمسؤوليّة تأمين الزيارة. شبّان يلطّخون صور أوباما المنتشرة على امتداد طريق رام الله ـــ القدس. وآخرون يرمونها بالأحذية في بيت لحم. وتعليقات ساخرة تعبّر عن المعاناة اليوميّة التي يكابدها الإنسان الفلسطيني، من قبيل: «أوباما، لا تأتِ عبر حاجز قلنديا، ربّما يكون الجنديّ هناك في مزاج سيئ فيعيدَك أدراجك، الحواجز للشعب، وطريق الـ DCO فقط لكبار الشخصيات مثلك»، ودعوات يطلقها نشطاء للتظاهر خلال الزيارة. هكذا تبدو مدينة رام الله وهي تستعد لاستقبال الضيف الاستثنائي. وسط هذه الحال من السخط والسخرية اللذين ينمّان عن إحباط الشارع الفلسطيني وفقدانه الأمل، لا يبدو المراقبون الفلسطينيون أكثر تفاؤلاً. السواد الأكبر منهم يُجمع على أنّ القضيّة الفلسطينية ليست على سلّم أولويات السياسة الخارجية الأميركية الحالية، وأن عملية التسوية لن تشهد تقدماً استراتيجياً من جراء الزيارة، وإن حصل تقدم، فإنه لن يكون أكثر من مجرد خطوة «تكتيكية»، أو محاولة لتحريك الجمود.
ويرى المحلل السّياسي، خليل شاهين، في حديث إلى «الأخبار» أن الزيارة تأتي في سياق «تعزيز التعاون الأميركي الإسرائيلي، ولكن تحت شعار إدارة الأزمات في المنطقة، ولا سيّما في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي». وبناءً على ذلك، يعتقد أن عملية «إدارة الأزمات تلك تتطلب توفير غطاء سياسي من خلال التوصل إلى تسوية فلسطينية إسرائيلية». ويضيف: «الإدارة الأميركية تدرك أنه لا يمكنها الضغط على رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو، لذلك ستحاول الضغط على السلطة الفلسطينية من أجل التوصل إلى تسوية معينة».
وبما أن الشرق الأوسط لم يعد كما كان عليه لدى فوز أوباما بولايته الأولى، بعد سقوط أنظمة «صديقة» نتيجة الثورات العربية وصعود أخرى، تبدو الولايات المتّحدة أقل يقيناً حيالها، يقول شاهين إن «أحد أهم أهداف الزيارة هو إعادة رسم خريطة المصالح الأميركية الإسرائيليّة في ظل شرق أوسط يشهد تحولات جذرية، وهذا الأمر يعني أنّ هناك توقعاً لمزيد من التقارب بين الطرفين للتعامل مع هذه المتغيرات على حساب قضايا الشعوب العربية وفي قلبها الشعب الفلسطيني».
ويتفق الباحث عادل سمارة مع شاهين على أن هذه الزيارة تأتي تحت عنوان «إثبات الدعم الأميركي للكيان الصهيوني على كل الأصعدة». ويرى أن أوباما قادم لتسوية العلاقات مع نتنياهو. لكن ما الذي يمكن أن تقدم عليه السلطة في حال عدم تقديم هذه الزيارة أي جديد؟ خياراتٌ كثيرة تُطرح، مثل: التوجه إلى المحاكم الدولية، إحداث اختراق في ملف المصالحة، أو ربما التقارب مع إيران؟ وفي هذا السّياق، يرى سمارة أن السلطة غير قادرة على أن تقدم على خطوة تصعيدية، ويعتقد أن موضوع التقارب مع إيران هو «أقرب إلى الخيال».
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة «بير زيت»، سميح حمودة، ذهب الى القول إن ملف المصالحة غير مرتبط أساساً بالزيارة بقدر ارتباطه «باختلاف الأجندات والبرامج الوطنية لكلا الحزبين». لكنه يقرّ بأن الزيارة ساهمت في تعطيل موضوع المصالحة.
وهذه ليست أول مرة يزور فيها رئيس أميركي الأراضي الفلسطينية؛ ففي عام 1998 زار بيل كلينتون في نهاية ولايته قطاع غزة، حاملاً معه وعوداً كثيرة بإطلاق سراح الأسرى، وإقامة الدولة الفلسطينية. وبعد مغادرته، قام الفلسطينيون «بمسح» الأراضي التي وطأتها قدماه، بعدما ذهبت وعوده أدراج الرياح. وفي عام 2008، زار جورج بوش الابن مقر المقاطعة؛ وتلك كانت أول مرة يرى فيها الفلسطينيون قناصة غير إسرائيليين يعتلون أسطح المباني، مع تهكمهم على الإجراءات الأمنية التي وصلت الى حد نبش قنوات المياه والصرف الصحي القريبة بحثاً عن أي متفجرات محتملة. منذ 15 عاماً والفلسطينيون يسمعون الحديث ذاته، والوعود ذاتها، ويكررون السخرية ذاتها. لكن الواضح هذه المرّة من خلال حديث أوباما لزعماء المنظمات اليهودية في البيت الأبيض، أن القضية الفلسطينية تراجعت إلى الهامش، لحساب قضايا أكثر تهديداً وإلحاحاً: «أمن إسرائيل، وإيران، وسوريا».