القاهرة | استقالة تلو الأخرى شهدتها مؤسسة الرئاسة في الأونة الأخيرة من كبار مساعدي الرئيس الحالي محمد مرسي ومستشاريه، وضعت الرئاسة المصرية أمام عريضة اتهامات يجب الرد عليها، ومنها سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مجريات الحكم وجميع شؤون المؤسسة، وتجاهل الرئيس لنصائح مستشاريه من غير الجماعة. آخر هذه الاستقالات كانت أول من أمس بإعلان محمد فؤاد جاد الله، مستشار الرئيس للشؤون القانونية استقالته من مؤسسة الرئاسة، بسبب عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الدولة، والإصرار على حكومة هشام قنديل، ومحاولة اغتيال السلطة القضائية، واحتكار تيار واحد للسلطة.
ولعل من أسباب الاستقالة أيضاً فتح الباب أمام السياحة الإيرانية في مصر. أمر أثار حفيظة جاد الله، ذي الانتماء السلفي، وهو ما وصفه أستاذ العلوم السياسية، حسن نافعة، في تصريحات صحافية بأن الاستقالة تدل على عقائدية جاد الله. وقد تكون الاستقالة بسبب الانشقاق بين الإخوان والسلفيين.
ولم تهدأ مؤسسة الرئاسة من عاصفة الاستقالات منذ تولي مرسي رئاسة الجمهورية، وإنشائه عدة كيانات استشارية لمساعدته في إدارة الدولة، بينما يُلاحظ أن جميع المستقيلين من غير المنتمين إلى جماعة الرئيس. ففي الوقت الذي أعلن فيه كل من سيف عبد الفتاح، وحسن نافعة، وأيمن الصياد، وغيرهم استقالاتهم، ظل عصام الحداد وعدد من العاملين في ديوان عام الرئاسة وهم من أعضاء جماعة الإخوان.
وجددت الاستقالة التساؤلات عن أسباب تعدد استقالات مستشاري الرئيس من غير الجماعة، فيما فتحت الباب أمام التكهنات للجميع. كذلك خرج مساعد الرئيس السابق خالد علم الدين، الذي استقال منذ ما يزيد على شهرين، مطالباً جاد الله بالكشف عن الأسباب الحقيقية لاستقالته، وأن يوضح للشعب المصري ملابسات المؤامرة حتى يعلمها الرأي العام.
من جهته، أكد المستشار السابق لرئيس الجمهورية، خالد علم الدين، القيادي في حزب النور، أن استقالة المستشار جاد الله رائعة، مشيراً إلى أن أسباب الاستقالة تؤكد أن الجماعة تسيطر على مؤسسة الرئاسة وتتدخل في قراراتها. وأضاف علم الدين: «لن يبقى أحد مع جماعة الإخوان المسلمين لأنّ لديها إصراراً على الاستئثار بالمناصب العليا والقرارات الحساسة من دون مراعاة مصلحة الوطن»، مشيراً إلى أن جماعة الإخوان ومؤسسة الرئاسة تصران على سياسة الإقصاء ولا تسعيان الى توافق وطني.
بدوره، رأى رئيس حزب النور، يونس مخيون، أن استقالة المستشار القانوني للرئيس، تستوجب من الرئاسة إعادة الحسابات، وخصوصاً أن جاد الله ممن عملوا مع مرسي وفي قلب القصر الرئاسي. وأكد مخيون، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي « تويتر»، أمس، أن الأمور تزداد كل يوم سوءاً وتعقيداً، داعياً مؤسسة الرئاسة إلى الاستعانة بأبناء الوطن المخلصين، مشيراً إلى أن جميع أطياف المجتمع على استعداد لمساندة الرئيس، شرط أن يستشعروا أنهم شركاء حقيقيون.
وطالب رئيس حزب النور بالمقارنة بين ما طالب به جاد الله في نص استقالته، ومبادرة «النور»، وتطابق المواقف الخاصة بخطر المد الشيعي من طريق فتح السياحة الإيرانية لمصر، فيما فسر البرلماني، جمال جبريل، عاصفة الاستقالات التي تشهدها الرئاسة المصرية لـ«الأخبار» بأنه سوء اختيار من رئيس الجمهورية لمساعديه من البداية، متسائلاً: «ما الذي دفعهم إلى الاستمرار في العمل طوال هذا الوقت، ومن ثم الاعتذار عبر ضجة اعلامية؟».
في هذا الوقت، قلل عضو حزب الوسط، محمد عواد، من أهمية هذه الاستقالات، منتقداً أسبابها التي تمثل معظمها في سوء الإدارة أو انفراد الرئيس وجماعته باتخاذ القرار من دون العودة إلى مستشاريه. وأضاف لـ«الأخبار» أن من حق الرئيس الآن أن يستعين بأهله وعشيرته فقط لإدارة مؤسسة الرئاسة والدولة المصرية، «فهم وحدهم قادرون الآن على تحمل مشاق الوطن وعدم القفز من السفينة في اللحظات الحرجة». وأوضح أنه يجب على الرئيس أن يسرع في تشكيل اللجنة القانونية التي سبق أن أعلن تشكيلها لمراجعة قراراته من كفاءات ورجال القانون، مشيراً إلى أن هذه خطوة تحسب له لا عليه.
من جانبها، رأت نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقاً، المستشارة تهاني الجبالي، أن مرسي سبّب انهيار دولة القانون، وأن الاستقالة التي تقدم بها جاد الله تأتي نتيجة لمواقف الرئيس المُخجلة تجاه القضاة وانحيازه إلى جماعة الإخوان وقبوله لمشروع السلطة القضائية المُزمع عرضه على مجلس الشورى. وأضافت أن الأيام المقبلة ستشهد حالة من الانهيار لمؤسسة الرئاسة إذا لم تراجع قراراتها المتعنتة تجاه القوى السياسية المعارضة للإخوان، مشددة على أن جاد الله اتخذ قراراً كان لا بد من اتخاذه من فترة طويلة، وخاصة بعد التوغل الرئاسي في المؤسسة القضائية.