القاهرة | أكثر من 60 عاماً مرّت على حادث حريق القاهرة، الذي التهم وسط البلد في عام 1952، ولم يُعرف حتى هذه اللحظة مدبّره. جرى تبادل الاتهامات في حينها ما بين الانكليز، أنصار الملك فاروق، وجماعة الإخوان المسلمين. يبدو من أحداث اليوم وما يجري من حرائق وتخريب للمنشآت، وكأن التاريخ يعيد نفسه.
كانت قد بدأ حريق القاهرة في 26 كانون الثاني من العام 1952، والذي التهمت النيران فيه خلال ساعات قليلة نحو 700 متجر وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة، بعد عشرة أيام من إعلان حكومة «الوفد» على لسان رئيسها مصطفى النحاس، أن معاهدة 1936 «فقدت صلاحيتها كأساس للعلاقات المصرية البريطانية، ولا مناص من تقرير إلغائها».
الحرائق التي شهدتها مصر منذ الأربعاء الماضي، بسبب طريقة فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، لم تفرق بين مسجد أو كنيسة، بين منشأة حكومية أو خاصة، لم تكتف بحرائق قاهرة المعز وحدها، كما هو حال حريق القاهرة، بل التهمت نيرانها منشآت مختلفة في محافظات دلتا مصر وصعيدها، والتي خلفت وراءها خسائر لم تقدر رسمياً بعد، غير أنّ كل المؤشرات تؤكّد أنّها قد تتخطى بضعة مليارات، كلّها لأجل الحفاظ على كرسي الحكم.
هنا مسجد رابعة العدوية في محافظة القاهرة، وهناك كنيسة مارجرس في محافظة سوهاج، حيث صعيد مصر ومتحف ملوي، أكبر متحف أثري في محافظة المنيا عروس الصعيد. أما سيناء فتحترق وحدها رويداً رويداً في الصراع المعلن بين الإسلاميين عامة والجماعات الإسلامية خاصة والأجهزة الأمنية «شرطية أو جيشاً».
ما تلتهمه النيران لا تتركه إلا مع رمادها حفنة من التراب. من بين هذه الحرائق ما حدث في مسجد «رابعة العدوية» يوم الأربعاء الماضي خلال عملية فض اعتصام أنصار مرسي، حيث تحول المسجد الى ساحة مجهولة في منطقة لا يسكنها بشر. الدمار لم يترك له سوى الجدران وحدها خالية سوى من السواد الكالح الذي كساها بسبب الحريق، مع لافتة كُتب عليها باللون الأحمر «مسجد رابعة العدوية».
في اليوم التالي للحريق تحركت السلطات وشكّلت وزارة الأوقاف لجنة هندسية رفيعة المستوى، للوقوف على آثار الدمار والخراب، يصحبها خبير استشاري في الشؤون الهندسية لمعاينة المسجد ومحيطه، وبدأت عملها أول من أمس، حسبما أكد الشيخ محمد عبد الرازق، وكيل وزارة الأوقاف لشؤون المساجد، موضحاً أنّه تم تحرير محضر في أقرب قسم شرطة بالأشياء التالفة بالمسجد لاتخاذ ما يلزم، كي تتمكن اللجنة من القيام بمهامها الوظيفية.
محافظة الجيزة نالت نصيبها من الخراب، حيث هاجمت عناصر مجهولة لم تتعرف عليها الحكومة حتى الآن ولا شعبها يوم الخميس الماضي ديوان عام المحافظة، وعاثت فيه خراباً وحريقاً، حيث استمر الحريق لنحو 4 ساعات، ونال من كل محتويات الديوان ولم يترك سوى حيطان سوداء اللون. وأكد محافظ الجيزة علي عبد الرحمن أن التقدير المبدئي للخسائر التي لحقت بديوان عام المحافظة بلغت 53 مليون جنيه، مشيراً إلى أنه تم إعداد تقرير بالتلفيات، التي شملت أجهزة كمبيوتر وأثاثاً ومعدات وحوائط وأجهزة تكييف وأجهزة كهربائية وسيارات تم احتراقها بالكامل.
أما وزارة المالية فكانت المنشأة الوزارية الوحيدة التي حُرقت، وظلت النيران تشتعل بها يوماً كاملاً، ولم تستطع عربات المطافئ إخماد الحريق بسرعة، ولا يزال حصر الخسائر جارياً للبدء بترميمها في أسرع وقت ممكن.
نحو 80 كنيسة، أُحرقت منذ الأربعاء الماضي، كما أكدت منظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان، أغلبها في محافظات الصعيد. أما المتحف الأثري في مدينة ملوي بمحافظة المنيا، فقد سُرق منه، حسب ما توقع أثريون، قرابة 1040 قطعة أثرية، من إجمالي 1089 هي عدد المعروضات فيه، وتقدر بملايين الملايين من الجنيهات المصرية. وأكد شهود عيان لـ«الأخبار» أن من سرقوا المتحف يبيعون القطعة بأسعار تتراوح من 2000 إلى 5000 آلاف جنيه. بدوره، ناشد وزير الدولة لشؤون الآثار، الدكتور محمد إبراهيم، كل من لديه أي قطع أثرية من مفقودات ومسروقات متحف ملوي في محافظة المنيا، الذي تعرض للاقتحام والسرقة والتخريب، أن يعيدها إلى أي جهة تابعة لوزارة الآثار مع وعد بعدم المساءلة القانونية، واعداً بأن تمنحه الوزارة مكافأة مالية، مؤكداً أن القطع المسروقة من متحف ملوى موصفة ومسجلة دوليا ومعروفة ولا يمكن التصرف أو الاتجار فيها سواء داخل أو خارج مصر.
بعض الحرائق واقتحام المنشآت، التي افتعلها مجهولون حتى اللحظة، انتهت ببعض الأعمال التخريبية الطفيفة مثل ما جرى مع مكتبكة الاسكندرية، أكبر مكتبة أثرية وتاريخية، والتي تم ترميمها منذ ما يزيد على بضع سنوات، إضافة الى بعض دواوين المحافظات والمديريات الأمنية. غير أن سيناريو حريق أقسام الشرطة واقتحامها، الذي اطلع عليه المصريون لأول مرة في ثورة «25 يناير»، تجدد منذ فض الاعتصام بأغلب محافاظات مصر إن لم يكن جميعها، ليكون بمثابة جرس إنذار حول انهيار الأمن والشرطة مرة جديدة، فيما لا يزال الصراع معلناً في هذا الصدد في سيناء وحدها التي تحمل الجراح.
مختلف الحوادث السابقة التي وقعت لم يتهم فيها رسمياً أية جهة حتى الآن، غير أن الاتهامات السياسية محصورة بين جماعة الإخوان المسلمين والجهاز الشرطي؛ فتارة يخرج قيادي من الجماعة يتهم الشرطة ويقول إنها مدبرة لإلصاقها بالاسلاميين، وطوراً يكون الاتهام عكسياً من قبل الشرطة للاسلاميين بصفة عامة والاخوان بصفة خاصة.