القاهرة | صارت مشرحة زينهم مقصداً إجبارياً للمصريين، رغم أنّهم يكرهون المرور من أمامها، ولا يتفاءلون بذكر اسمها. صاروا يقفون أمامها في طوابير طويلة، في محاولة يائسة للحصول على جثث ذويهم منذ بدء فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في رابعة العدوية يوم الأربعاء 14 آب، والذي أعقبته مجزرة رمسيس ثم مجزرة سجن أبو زعبل، التي أدت إلى سقوط 36 قتيلاً، وليس آخراً مجزرة جنود الأمن المركزي في سيناء، التي تركت 25 قتيلًا في اليوم التالي. شهدت المشرحة زحاماً غير مسبوق خلال أقل من أسبوع، حيث اصطف الأهالي في طوابير طويلة، فاقت طوابير البنزين والسولار التي شهدها عصر مرسي. ولم تتسع ثلاجات حفظ الموتى لكل هذه الجثامين، التي وُضعت أرضاً في ممرات المشرحة، وقد وُضعت عليها قطع الثلج كي لا يصيبها التعفن. نحو 50 سيارة اسعاف أتت في أوقات متقاربة بأعداد من الجثث، في الوقت الذي يُوقَّع فيه الكشف والتشريح بنحو 10 جثث في وقت واحد في ظل انخفاض عدد الأطباء والمساعدين. هناك4 صالات للتشريح ومتوسط الاستيعاب لا يتعدى50 جثة، وهذا ما أحدث خللاً رهيباً؛ لأن الجثمان يحتاج للحفظ في درجة حرارة تراوح ما بين 4 و5 درجات مئوية، ولا يجب أن تتعدى فترة حفظه شهراً واحداً، لأن الجسد يبدأ بعدها في التحلل تلقائياً ثم التعفن، وهذا ما تعانيه المشرحة في عملها العادي حالياً بالنسبة إلى الجثث المختلف عليها، أو التي لا تعرف شخصية صاحبها.
محيط المشرحة اكتسى بسواد ملابس وقلوب أهالي الضحايا؛ اصوات بكاء ونحيب النسوة يخيم على الأجواء، والحزن لا يفارق الوجوه ولا يميز بين سيدة أو رجل، فيما تنتشر الجثث المكفنة بالقماش الأبيض المخلوط بلون الدماء، على أرض المشرحة. هناك يتطوع واحد من أهل الضحايا لوضع قطعة من الثلج فوق إحدى الجثث لحفظها من التعفن قبل التشريح، فيما يتطوع آخرون للعمل داخل المشرحة لمساعدة العاملين فيها على نقل الجثامين واحضار العطور والمطهرات لرشها بمحيط المشرحة بسبب رائحة العفن التي أصابت المنطقة بأكملها.
«الانتحار» هو السبب الوحيد الذي يسمح لذوي الجثمان بالحصول عليه وإخراجه من المشرحة لدفنه، غير أن معظم الأهالي رفضوا وضع هذا السبب على شهادة الوفاة، حسبما أكد شهود عيان لـ«الأخبار»، وهو ما أدى إلى استمرار تكدس الجثث، التي شوه معظمها. وأضاف الشهود أن الذين تولوا عملية «غسل الجثث» هم بعض المتطوعين، مؤكدين أن ضحايا «أحداث منطقة سجون أبو زعبل» لم يتعرضوا فقط لقنابل الغاز؛ فالجثامين كان فيها الكثير من آثار التعذيب، من بينها أثر لتعذيب كهرباء، مشيرين الى ان «هناك جثامين مسلوخة، وأخرى فقدت أجزاء من الجلد»، وأن «اللون الازرق والاسود المسيطر على الجثامين ناتج من الاختناق والعفن، وهو ما يوحي بأن الجثث توفيت منذ أكثر من يوم». وأكدوا أن شكل الجثامين لا يوحي بأنها تعرضت فقط لاختناق من قنابل الغاز، وأنّ من المستحيل أن تكون قد توفيت ليلة وجودها في المشرحة.
ورغم شهادة الشهود، غير أن وزارة الداخلية لم تخرج للمواطنين بأي بيان ردّاً على هذه الشهادات، فيما قال حقوقيون في منظمات المجتمع المدني لرصد الانتهاكات في مصر، إن المعتقلين الذين قتلوا في سجن أبو زعبل تعرضوا للتعذيب والحرق بهدف إخفاء الأدلة، وطالبوا بلجنة تحقيق دولية، لا مصرية في الحادث. وتوالت الإدانات للمجزرة التي أقرت السلطات بمقتل 36 معتقلاً فيها. وأشار حقوقيون إلى أن مشرحة الطب الشرعي تحاول التستر على «الجريمة التي ارتكبتها وزارة الداخلية»، والتي كانت عبارة عن عمليات قتل ممنهج في ظل غياب المحاسبة، بحسب ما يقولون لـ«الأخبار».
وعن سبب الازدحام الذي شهدته المشرحة، يقول أحد الأطباء لـ«الأخبار»، إن ضعف الامكانات هو أحد الأسباب، اضافة الى أن عمل الطبيب في المشرحة يمرّ بمراحل متعددة؛ فالجثة الواحدة تحتاج على الأقل إلى ساعة كاملة أو أكثر في عملية التشريح، لإعداد تقرير متكامل يحمل الصفة والسمات العامة للجسد ونوع الذخيرة وأماكن نفاذها وزاوية الإصابة سواء أفقية أو رأسية أو سفلية بهدف التسهيل على النيابة في معرفة كيفية الاصابة، لأن الكشف الطبي لا يكون إلا من خلال إذن النيابة أو طلب منها في جميع الحالات، فإذا تم غير ذلك لا يكون هناك تصريح بالدفن، ولا تُعطى شهادة الوفاة، وهذا هو المتبع في كل الحالات. أما إذا قام أحد الأشخاص، كما حصل مع بعض الحالات، بدفن القتلى من دون تصريح، فسوف يتعرض من يفعل ذلك للمحاكمة حتى بعد زمن لأنها تعدّ جريمة مخالفة للقانون، وتُسقط حقوق الورثة قانونياً، لأن شهادة الوفاة في هذه الحالة هي الفيصل.