كما كان متوقعاً، كشف عضو «الهيئة الوطنية لكشف الحقيقة في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي»، الطيب العقيلي، الصديق الحميم لزعيم الجبهة الشعبية التونسية المعارضة الراحل بلعيد، مجموعة من الأسرار التي تكشف علاقة حركة النهضة المهيمنة على الحكم باغتيال الأخير وصولاً الى تنظيم ليبي مسلّح يتزعمه القيادي الإسلامي عبد الحكيم بلحاج الذي عُرف بقيادة الهجوم على معقل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في باب العزيزية.وعقد العقيلي مؤتمراً صحافياً أمس في شارع الحبيب بورقيبة على بعد أمتار من وزارة الداخلية، بحماية أمنية مكثفة خوفاً من تعرضه لأي اعتداء، حيث كشف عن تورط «النهضة» في اغتيال بلعيد من خلال علاقاتها بزعيم حزب الوطن الليبي قائد «المجلس العسكري لثوار طرابلس» سابقاً، عبد الحكيم بلحاج، الذي كان له الدور الحاسم في سقوط النظام الليبي السابق.
العقيلي كشف عن وثيقة يعود تاريخها إلى مطلع شهر كانون الأول ٢٠١١ وموجهة من المسؤول الأمني في وزارة الداخلية وحيد التوجاني، وتنص على ضرورة رصد تحركات بلحاج بناءً على إخبار عن اعتزامه القيام بعمليات إرهابية في تونس.
وأكد القيادي اليساري أنه في الوقت الذي كانت فيه القيادات الأمنية وأعوان الاستخبارات يرصدون فيها تحركات بلحاج (الذي نشط في الثمانينيات والتسعينيات كقيادي في «الجماعة المقاتلة الليبية» القريبة من تنظيم القاعدة)، كان قياديون في «النهضة» يلتقونه ويتحاورون معه.
وقد ذكر من هؤلاء زعيم الحركة راشد الغنوشي، ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، ورئيس الحكومة الحالي علي العريض، والوزير نور الدين البحيري، والوزير سمير ديلو الذي كذب على موجات إذاعة «موازييك» أن يكون أجرى أي لقاء مع بلحاج. لكن سرعان ما تداولت صفحات «فايس بوك» صوراً لديلو مع بلحاج في مدينة جرجيس، ما يؤكد ما قدّمه العقيلي الذي قال إن «بلحاج هو الذي تولى تدريب عناصر أنصار الشريعة في تونس، ومنهم المجموعة التي قامت بعملية اغتيال بلعيد والبراهمي، ما يؤكد تورط القيادي الليبي في الجريمتين».
في المقابل، سارعت «النهضة» الى دعوة مكتبها التنفيذي للاجتماع للرد على هذه «الاتهامات الخطيرة»، وأعلنت تكليف مكتبها للشؤون القانونية بمقاضاة العقيلي الذي أكد أنه مستعد لأي مساءلة قانونية.
وقد أكد عضو «الهيئة الوطنية لكشف الحقيقة» أن مخازن السلاح التي تم الكشف عنها تباعاً، بعد اكتشاف مخزن مدنين في الجنوب الشرقي قريباً من ليبيا، على صلة مباشرة بتدخل الجماعة الإسلامية الليبية في الشأن التونسي بتنسيق مع حركة النهضة وتواطؤ منها من أجل القضاء على الدولة التونسية. المعطيات الجديدة التي تم كشفها أمس أثارت من جديد حجم التحديات التي تواجهها تونس في مستوى الملف الأمني، إذ أكد العقيلي أن بلحاج ومجموعته اخترقوا التراب التونسي وتولّوا تدريب تونسيين في إطار التعاون مع «النهضة»، وذلك انسجاماً مع تفكير المجموعات الإسلامية التي تبجّل الانتماء إلى الجماعة على الانتماء إلى الوطن.
في الوقت ذاته، أذنت النيابة العامة بفتح ملف تحقيق في الوثائق الخطيرة التي كشف عنها العقيلي.
هذه الاتهامات لم تكن مفاجئة للشارع التونسي، إذ أصبح تورط «النهضة» بشكل مباشر أو غير مباشر في الاغتيالات السياسية وفي انتشار السلاح مسألة شبه محسومة لقسم كبير من الشارع التونسي.

وفي السياق ذاته، أعلن المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يقود جهود المصالحة الوطنية، أن قيادة المنظمة النقابية تلقّت أشعاراً من وزارة الداخلية بضرورة الحذر والاحتياط بعد ورود معلومات مؤكدة عن تهديدات جدية بتصفية عدد من قيادات الاتحاد.
وقال عضو المركزية النقابية، سامي الطاهري، إن هناك محاولات جدية لاستهداف النقابيين ومقار المنظمة في الجهات.
وفي وقت لاحق، نفى بلحاج في تصريح إلى الوكالة التونسية للأنباء (مستقلة) أن تكون له أي علاقة بتنظيم أنصار الشريعة وأي معرفة بالشهيدين بلعيد والبراهمي. وأكد أنه مضطر الى اللجوء إلى القضاء. وشدد القيادي الليبي الذي دخل العملية السياسية بحزبه الجديد في ليبيا، على أنه ضد أي تدخل في الشأن التونسي. واستغرب توجيه تهم له بالضلوع في الاغتيالات فيما لا تربطه أي صلة بـ«أنصار الشريعة» الذي وجهت إليه الداخلية اتهاماً مباشراً في الاغتيالات التي عرفتها تونس في الشهور الأخيرة.
على أي حال، يتوقع أن تثير هذه الوثائق التي أعلنها العقيلي مزيداً من الجدل على غرار التسريبات التي قدمها، إذ يصبح الوصول إلى توافق سياسي أمراً شبه مستبعد أو مستحيل في بلاد محمد البوعزيزي مفجّر الثورة التونسية، قبل الذكرى الثالثة لسقوط النظام. فغالبية الشعب التونسي اليوم تعاني من اليأس والإحباط والندم ربما على ما انتهت اليه الثورة التونسية والثورات العربية.