في الوقت الذي يرفع رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الصوت عاليا في الموضوع الايراني ورفض التسوية المتبلورة مع الغرب، يرد الجانب الاميركي عليه من البوابة الفلسطينية، محذرا تل ابيب من التداعيات التي يمكن ان تترتب على فشل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ومحملا اياها، بصورة غير مباشرة، مسؤولية اي فشل سيؤدي الى تداعيات سلبية على اسرائيل وعلى المنطقة برمتها.
وفي سياق مقابلة مع القناة الثانية العبرية، بثت امس، اطلق كيري جملة من المواقف غير المسبوقة، شدد فيها على ضرورة ان تخلي اسرائيل تواجدها العسكري في غور الاردن، وهي المنطقة التي اعلن نتنياهو قبل ايام انها ستبقى لضرورات امنية تحت السيادة والسيطرة الاسرائيليتين الى الابد. وبحسب كيري، يجب العمل فورا على مناقشة مستقبل المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية، و«إذا لم نعمل على ايجاد حل لقضية المستوطنات، ومن سيعيش هناك، وأين وكيف، واذا لم يحل السلام تحت قيادة ملتزمة ولا تؤمن بالعنف، فسنجد انفسنا في مواجهة قيادة لا تدعو الى السلام».
وتساءل كيري «هل تريد اسرائيل بالفعل ان تواجه اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة؟ لاننا إن لم نقدم على حل القضايا الخلافية، واذا لم نوجد وسيلة لصنع السلام، فهذا ما سيحدث، بل وستواجه اسرائيل حملة متزايدة ضدها حول العالم، لنزع الشرعية عنها»، مضيفا ان فشل المفاوضات يمكن ان يمس سكان المنطقة وسيسلب من الجمهور فرصة العيش بسلام.
ونفى كيري ان يكون الطرفان قد اتفقا على ان البناء في المستوطنات، مقابل تحرير الاسرى الفلسطينيين. وقال «انا لا استطيع ان اصادق على هذا الكلام، انه كلام غير صحيح، ولم يكن هناك اتفاق ينص على ذلك، الاتفاق الدقيق كان تحرير 104 فلسطينيين موجودين في السجون الاسرائيلية منذ سنوات طويلة، وان يتم اطلاق سراحهم مقابل ان تمتنع السلطة الفلسطينية من التوجه الى الامم المتحدة في هذه الفترة الزمنية».
واضاف كيري «نحن في الولايات المتحدة، لا نوافق على مسألة البناء في المستوطنات، ونقول نفس ما تقوله السلطة الفلسطينية، اذ لا نؤمن بان المستوطنات شرعية، ونؤمن ان كل عملية السلام ستكون اسهل من دونها».
وتوجه كيري الى الطرف الاسرائيلي تحديدا، بالقول: «اذا كنت تقول انك تعمل من اجل السلام، وتريد السلام في (دولة) فلسطين، فكيف تستطيع القول بانك تخطط للبناء في المكان الذي سيكون مستقبلا ارض (دولة) فلسطين، وانا اعتقد ان هذا الامر يوجه رسالة بان الاسرائيليين ربما ليسوا في الواقع جديين»، مضيفا «نحن نفهم الضغوط القائمة ونفهم انه يوجد في الحكومة الاسرائيلية اشخاص يملكون رؤى مختلفة، لكن وعندما يتم التوصل الى اتفاق، فالجميع سيفهم اين تقع فلسطين واين تقع اسرائيل»، في اشارة منه الى ان الاتفاق يجب ان يشمل تحديدا لحدود الدولة الفلسطينية العتيدة.
ورفض كيري ما يقال عن ان اسرائيل يمكن ان تتعايش مع فشل المفاوضات، مشيرا الى ان «المشاكل لا يمكن ان تحل من خلال حل الدولة الواحدة، ولا يمكن ان يكون هناك سلام وفقا للدولة الواحدة، لا يمكن ضم اناس الى دولة رغما عن ارادتهم، وهذا ببساطة غير واقعي، وكل من يتحدث عن ذلك، لا يفهم عما يتحدث».
وكان الملك الأردني عبدالله الثاني قد طالب، خلال لقائه كيري في عمّان في وقت سابق أمس، المجتمع الدولي بالقيام بدور أكبر لوقف الإجراءات الأحادية التي تمارسها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكونها غير شرعية وتشكل عقبة أمام تحقيق السلام.
وذكر الديوان الملكي الهاشمي، في بيان، أن الملك عبدالله الثاني شدّد خلال استقباله كيري، الذي يزور الأردن ضمن جولة له في الشرق الأوسط، على أن «المجتمع الدولي مطالب بممارسة دور أكبر لوقف الإجراءات الأحادية التي تمارسها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكونها غير شرعية وغير قانونية، وتشكل عقبة حقيقية أمام مساعي تحقيق السلام».
وأوضح أن الملك شدّد خلال اللقاء الذي تناول جهود كيري لتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على «دعم الأردن للجهود الأميركية الهادفة إلى مساعدة الطرفين على المضي قدماً في المفاوضات استناداً إلى حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران عام1967 وعاصمتها القدس الشرقية».
وذكر البيان أن الملك أكد أن الأردن «سيواصل العمل والتنسيق مع جميع الأطراف لدعم المفاوضات التي تعالج مختلف قضايا الوضع النهائي، والمرتبطة بمصالح أردنية عليا، وفق جدول زمني واضح».
وفي ما يتعلق بالأزمة السورية، أكد الملك عبدالله الثاني «موقف الأردن الداعم لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة هناك يوقف مأساة الشعب السوري، وينهي الصراع الدائر، بما يجنّب المنطقة آثارها الكارثية، ويحفظ وحدة سوريا أرضا وشعبا».
من جهته، أطلع كيري الملك عبدالله الثاني، على «الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لضمان تحقيق تقدم فعلي في المفاوضات الجارية حالياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
وقال البيان إن وزير الخارجية الأميركية ثمّن خلال اللقاء «الجهود التي يبذلها الأردن للتخفيف من معاناة الشعب السوري»، مؤكداً «استمرار الولايات المتحدة في مساندة المملكة لتتمكّن من التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين، والعمل على حث المجتمع الدولي على لعب دور أكبر وتحمل مسؤولياته في هذا المجال».
كما أطلع كيري، خلال اللقاء، الملك على «الجهود الأميركية لعقد مؤتمر جنيف 2».
وقال كيري خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأردني ناصر جودة في عمان: «أحرزنا تقدماً هاماً في محادثاتنا مع الفلسطينيين والإسرائيليين حول عدد من الأمور ضمن مجموعة الأمور التي تقلقنا»، بعد تأكيده معارضة واشنطن للاستيطان الإسرائيلي. وأضاف أنه «من المهم بالنسبة لنا أن يكون هناك إمكانية للتقدم بحذر وبهدوء» موضحاً أن «ما حدث في اليوم الأخير فتح الباب أمام عدد من الاحتمالات لأمور يمكن أن تشملها المحادثات فيما نمضي قدما».
وبذل كيري جهوداً كبيرة الأربعاء للحؤول دون أن تؤدي الأزمة بين الفلسطينيين وإسرائيل حول ملف الاستيطان إلى انهيار مفاوضات السلام.
ويلتقي الوزير الأميركي صباح اليوم الجمعة في القدس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد أن اجتمع به الأربعاء في إطار محاولاته لدفع عملية السلام.
وتأتي زيارة كيري للمنطقة بعد أيام على إعلان إسرائيل الموافقة على المضي في بناء 3700 وحدة استيطانية جديدة، ما أثار غضب الفلسطينيين.
واستؤنفت مفاوضات السلام في نهاية تموز بعد نحو ثلاث سنوات من التوقف بسبب خلافات عميقة حول القضايا الأساسية مثل مرجعية المفاوضات والاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية.