مصراتة | لا تزال قضية حقوق الإنسان في ليبيا بعد سقوط النظام الاستبدادي مثيرة للجدل، وخصوصاً في ظل انتقادات منظمات حقوقية دولية لما يجري في سجون السلطات الليبية الجديدة ومعتقلات الثوار السابقين. ولما كانت مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرقي طرابلس) قد دخلت التاريخ إبان الثورة ضد نظام العقيد معمر القذافي، بصمودها الطويل في ظل حصار كتائب النظام السابق ومقاومتها الشديدة لفلوله، عادت المدينة إلى دائرة الضوء مع صدور تقرير منظمة «أطباء بلا حدود» الخميس الماضي، التي أعلنت وقف عملياتها في مراكز الاعتقال في مصراتة، بسبب ما وصفته تعرض المعتقلين للتعذيب والحرمان من الرعاية الطبية الطارئة. بيد أن فعاليات المدينة استغربت هذه الاتهامات، وفنّد رئيس جهاز الأمن الوطني في مصراتة إبراهيم بيت المال لـ«الأخبار» مضمون هذا الإعلان، معتبراً أن ما ورد في تقرير المنظمة من معلومات عار من الصحة تماماً. ووصف تقرير المنظمة بالكاذب وبأنه جاء لخدمة جدول عمل معاد لثورة 17 فبراير.
وعلى العكس من مضمون التقرير، أكّد بيت المال أن السجناء يلقون معاملة حسنة، ويحظون برعاية واهتمام جيدين، إضافة إلى توفير نظام غذائي على مدار اليوم. وعن سجن الأمن الوطني الذي يضم 680 محتجزاً، أوضح أنه تعامل مع منظمات حقوق الإنسان بكل شفافية، وسمح لهم بالتجوال داخل السجن ولقاء السجناء من دون أي قيد أو شرط.
وفي السياق ذاته، نفى المسؤول السابق عن سجن اللجنة الأمنية في مصراتة، علي اسويطي، وقوع أي حالات ضرب أو تعذيب داخل السجن. وقال إنه اذا ما وجدت أي حالات تعذيب أو ضرب فقد تكون حصلت قبل تسليم المحتجزين إلى اللجنة الأمنية، وهو ما اعتبره تصرفات فردية لامسؤولة. واستغرب قرار المنظمة الذي جاء «خلافاً للوضع داخل السجن».
بدوره، نائب رئيس المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، عبد الباسط أبو مزيريق، طالب بفتح تحقيقات من النيابة العامة في «ادّعاءات» منظمة أطباء بلا حدود للوقوف على حقيقتها و«محاسبة المسؤولين وأشباه الثوار الذين لهم يد في محاولة تشويه الثورة».
وتحدث أبو مزيريق، الذي كان المتحدث الرسمي باسم الثوار في مصراتة، لـ«الأخبار» عن مجلس حقوق الإنسان، قائلاً «لهذا المجلس شخصية وذمة مالية مستقلة وتبعيّته للسلطة التشريعية مباشرة، بحيث يتمتع بسلطات واسعة في مراقبة أداء الحكومة، ولأعضائه صفة مأموري الضبط القضائي، الأمر الذي يعني أن لهم مباشرة جمع الاستدلالات عند وجودهم في مسرح أي جريمة يجري فيها انتهاك لحقوق الإنسان، كما ألزم القانون النيابة العامة بموافاة المجلس بنتائج التحقيقات في أي قضية تُحال عليها من المجلس أو في أيّ قضية لها علاقة بحقوق الإنسان».
وأضاف أبو مزيريق، المحامي والمسرحي والمثقف، أن «من مهمات المجلس، إضافة إلى الرقابة، تقديم النصح والمشورة للبرلمان في كل شأن يتعلق بالحريات العامة وحقوق الإنسان، ومراجعة كافة القوانين والتشريعات والتوصية بتعديلها لتتماشى والمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان». وعن اتهامات منظمة أطباء بلا حدود، يعلّق أبو مزيريق قائلاً «لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي صحة ذلك، وإن كنت لا أتصور أن أي شخص، خاصة إذا كان من ضمن أجهزة الحكومة الانتقالية. أنا أعتقد إن كان مثل هذا التعذيب قد وقع فإنه يكون قد وقع من إحدى المجموعات المحسوبة على الثوار ممن يتعقبون الأشخاص الموالين للقذافي وممن شاركوا مباشرة في القتال مع كتائب القذافي، وبالتالي تعرّض هؤلاء للتعذيب يكون عادة قبل وصولهم إلى يد اللجنة الأمنية أو جهاز الأمن الوطني. ومن خلال زياراتي المتكررة لأماكن الحجز لم يشتك أيّ من المحتجزين من سوء المعاملة ومن تعرّضه للتعذيب». وفي ما يخصّ حقوق الإنسان بعد الثورة، أوضح نائب رئيس المجلس الوطني «إننا في ليبيا نعيش ظروفاً استثنائية. الحكومة لم تبسط سيطرتها على الأمور تماماً، أجهزتها ما زالت ضعيفة. هناك دور كبير للثوار في حفظ الأمن، لكن هذا لم يمنع وجود مجموعة من التجاوزات نتيجة لغياب ثقافة حقوق الإنسان في ليبيا طيلة 42 سنة من حكم القذافي». وشدد «على أن الحكومة يجب أن تقسو على منتسبيها في حال انتهك أيّ منهم حقوق الإنسان. ولذا فإن ما حدث في مصراتة أمر لا يمكن السكوت عنه، ولا بد من التأكد من صحة الأسباب التي دعت منظمة أطباء بلا حدود للتوقف عن العمل في مصراتة، وهو أمر سأتابعه شخصياً للوقوف على حقيقته».