دخل اتفاق التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزّة، حيز التنفيذ أمس، رغم خروق محدودة، وذلك بعدما التزمت إسرائيل عدم شنّ غارات على القطاع، مقابل وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وفيما اختلفت روايتا الجانبين بشأن إيقاف إسرائيل للاغتيالات، أكد الوسيط المصري أن التهدئة شاملة ومتبادلة بكافة أركانها، بما في ذلك التزام تل أبيب وقف الاغتيالات.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، قد أكد أن موجة التصعيد على وشك الانتهاء، مشيراً إلى أن «الجهاد الإسلامي تلقى ضربة مؤلمة». وقال، خلال زيارة أجراها لفرقة غزة في جيش الاحتلال، إن «إسرائيل مستعدة لمواجهة أي سيناريو كان»، مؤكداً أنه «ستُنصَب بطارية رابعة لمنظومة القبة الحديدية في غضون بضعة أسابيع»، الأمر الذي يشير إلى الخشية الإسرائيلية من تجدد المواجهة في وقت لاحق.
بدوره، أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني غانتس، أن «الساعات القليلة المقبلة ستثبت ما إذا كان وقف إطلاق النار قد دخل حيز التنفيذ من عدمه»، فيما أوضح الجيش الإسرائيلي أنه سيقابل الهدوء بالمثل، وأكد أن «التزام التنظيمات الفلسطينية الهدوء سيقابل بالهدوء، لكن الضربات ستتجدد وبنحو أعنف، إذا استؤنفت عمليات إطلاق الصواريخ من القطاع».
في غضون ذلك، شُغل مسؤولو إسرائيل ووسائلها الإعلامية بالتأكيد أنّ الحكومة الإسرائيلية لم تتعهد وقف سياسة الاغتيالات تجاه عناصر المقاومة الفلسطينية، رغم تأكيد الوسيط المصري لذلك. وعلى غرار اتفاقات تهدئة سابقة مع الفلسطينيين، أنكرت إسرائيل البنود المتفق عليها، واكتفت بالإشارة إلى أن إيقاف الفلسطينيين إطلاق الصواريخ، سينعكس إيقافاً إسرائيلياً لإطلاق النار.
ونفى وزير المال الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، أن تكون الحكومة الإسرائيلية قد التزمت إيقاف سياسة الاغتيالات، مشيراً في مقابلة مع إذاعة الجيش إلى أن «رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أعلن رسمياً أن الهدوء سيقابل بهدوء، لكن لا التزام بوقف الاغتيالات».
بدوره، رأى وزير حماية الجبهة الداخلية، متان فيلنائي، في حديث للإذاعة الإسرائيلية، أن موجة العنف الحالية تبدو كأنها انتهت، غير أنه أضاف أن «استتباب التهدئة المعلنة قد يستغرق بعض الوقت، نظراً إلى أن التنظيمات الإرهابية الفلسطينية تخلو من آلية قيادة واضحة لنقل التوجيهات إلى العناصر الميدانيين». وعلى غرار شتاينتس، أكد فيلنائي أن «إسرائيل لم تتعهد وقف الاغتيالات ضمن اتفاق التهدئة»، وقال إن «إسرائيل ستعمل دوماً بموجب المبادرة الاستباقية، ما يعني أن كل من يخطط لشن هجمات، يجب أن يأخذ ضمن حساباته احتمال استهدافه».
وقال رئيس الدائرة السياسية ـــــ الأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عاموس جلعاد، إن التفاهمات الإسرائيلية ـــــ المصرية بشأن وقف إطلاق النار، لم تشمل تعهداً إسرائيلياً بوقف اغتيال قادة الفصائل الفلسطينية ونشطائها. وأضاف أنه «جرى التوصل إلى هدوء مقابل هدوء، لكن إسرائيل لم تتعهد وقف الاغتيالات»، مشيراً إلى أنه «لا وثيقة خطية بشأن وقف إطلاق النار، ذلك أن إسرائيل لا تبرم اتفاقيات مع منظمات إرهابية»، في إشارة إلى حركة الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية، الفصيلين الفلسطينيين اللذين تصديا للاعتداءات الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية.
من جهته، أكد نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، سلفان شالوم، في حديث للقناة السابعة الإسرائيلية، أن العملية البرية في قطاع غزة هي خيار قائم «بل إن الجيش على استعداد لخوض مواجهة كهذه، وقادر على تنفيذها». لكنه أشار، في المقابل، إلى أن «الواقع الحالي لا يشير إلى أننا موجودون في الوقت المناسب لتفعيل خيار كهذا». وقال: «يجب اجتثاث الإرهاب من غزة، وكأن إيران غير موجودة، ومواصلة العمل ضد التهديد الإيراني، وكأنه لا يوجد إرهاب في غزة».
ورغم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أثنت في الأيام القليلة الماضية على نجاح منظومة «القبة الحديدية» في اعتراض عدد من الصواريخ التي أُطلقت من قطاع غزة، إلا أنها عادت لتتحدث عن جدوى المواجهة الأخيرة، وتحديداً كون إسرائيل هي التي بادرت إليها، بنتيجة اغتيال الأمين العام للجان الشعبية، زهير القيسي. وتساءلت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها: «هل حقاً كانت هناك ضرورة لاغتيال القيسي، بعد فترة طويلة من الهدوء؟ وهل كان يجب أن نحشر في المعركة مليون مواطن؟ وماذا عن الهزة التي تمر بها الدولة، وعن الضرر الاقتصادي، وعن تعطيل الدراسة، وبشكل أساسي، الخطر من التدهور نحو عملية عسكرية برية في غزة؟». وأضافت أنه «يتعين على أصحاب القرار أن يفهموا أن القبة الحديدية ليست بديلاً، والمعركة يجب أن تنتهي فوراً، فهي لن تهزم الإرهاب، ولن تجعل التهديد من غزة أقل أهمية، مثلها أيضاً الوهم في أن حملة واسعة النطاق، مثل عملية الرصاص المصهور، ستحدث تغييراً على المدى البعيد».
من جهتها، طالبت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، بالكف عن قياس النجاح من الفشل، استناداً إلى إنجازات منظومة القبة الحديدية، مشيرة إلى أن «النجاح النسبي للمنظومة، قد يحدث وهماً خطيراً، وكأنها قادرة على أن تحل المشكلات المعقدة التي تواجهها إسرائيل». وأضافت أن «ما يثير القلق هو النشوة التي أحدثتها القبة الحديدية، والاستهانة بقوة الإرهاب الفلسطيني في القطاع؛ إذ لا يجوز لحكومة إسرائيل أن تكرر أخطاء الماضي، والقبة الحديدية لن تحل المشكلات المعقدة في الجنوب».
وطالبت الصحيفة أصحاب القرار في تل أبيب بدراسة أي مواجهة مقبلة، بناءً على «التوقيت المناسب، وعوامل الانتخابات في الولايات المتحدة وحساسية نظام الحكم في مصر، وكونه عامل ضبط، وخطر صرف انتباه العالم عن المذبحة في سوريا إلى صراخ الفلسطينيين، ومحاولة الفلسطينيين إحداث صورة مذبحة وكارثة انسانية. ويجب أن يؤخذ في الحسبان تأثير العملية على العلاقات مع الأردن وتركيا».
ورأت مجلة «إسرائيل ديفنس» أن «دولة إسرائيل تلعب لعبة القطة والفأر مع عدد من المنظمات الإرهابية في غزة، لكنها تمتنع عن ضرب مسؤولي المنظمات، أو ضرب البنى التحتية، وبدلاً من ذلك يقوم سلاح الجوّ بضرب المخارط ومنشآت التدريب وخلايا إطلاق الصواريخ»، مشيرة إلى أن «هذه اللعبة قد تعجب أحداً ما في المؤسسة السياسية، لكن سكان الجنوب يرونها غير ذلك، إذ كل ساعة إضافية في الملجأ هي غير ضرورية، وتخل ببروتين الحياة، وخاصة أن الجولة الحالية لم تنته بعد، بحسب ما يؤكد وزير الدفاع».
بدورها، أشارت صحيفة «معاريف» إلى أنه «بغياب القواعد، لا يمكن معرفة كيفية إنهاء القتال؛ إذ إنه في زوبعة الأيام الأخيرة، تناسوا أن ما أشعل النيران هو عملية اغتيال زهير القيسي، والهدف المعلن هو إحباط عملية كبيرة خرجت إلى حيز التنفيذ، لكن ما ليس مفهوماً لدينا، هو أين أصبحت هذه العملية، وما إذا كانت قد أُحبطت فعلاً أم جرى فقط إيقافها ريثما يهدأ الميدان؟». وأضافت أن «كل ما يحصل منذ عملية الاغتيال، ليس إلا ردوداً وردوداً مضادة، لكن ليس لدى أي من الطرفين أي إنجاز يمكّنه من قول كفى».
وبحسب الصحيفة نفسها، فإن «الوضع إشكالي؛ لأن مليون شخص يعيشون مرتبكين، فالإسرائيليون على استعداد للتضحية، لكن مع إنجازات، أما أن يكون الإنجاز هو أعداد قتلى في الطرف الثاني، فهذا لا قيمة له لدى أي أحد».