الحدث: زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لفرنسا للقاء الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند. الغاية: محاولة إقناع باريس بتأييد المسعى الفلسطيني بالعودة إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة في أيلول المقبل. النتيجة: نجاح فرنسا بإقناع الرئيس الفلسطيني بقبول دولة غير مكتملة العضوية في الأمم المتحدة. يمكن اعتبار هذا ملخصاً لتطورات مسار القضية الفلسطينية في مسارها التفاوضي، أو ما يسمى عملية التسوية المتوقفة منذ أكثر من عام، وتحديداً منذ ما قبل المحاولة الفاشلة للرئيس الفلسطيني لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة خلال افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو ما يسمى «قمة العالم»، في أيلول الماضي.
المحاولة حينها اصطدمت بالتلويح الأميركي باستخدام حق النقض «الفيتو» من جانب الولايات المتحدة، إضافة إلى العجز عن الحصول على الأصوات التسعة اللازمة في مجلس الأمن، وبالتالي انتهت إلى ما انتهى إليه عباس اليوم.
كيف ذلك؟
للتذكير، فإنه بعد فشل القيادة الفلسطينة في إقناع تسعة أعضاء في مجلس الأمن بالتصويت للدولة، ومنهم دول أوروبية كانت محيّرة بين فلسطين وإسرائيل، صعد الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، إلى منبر الأمم المتحدة ليطلق مبادرته القائمة على نيل فلسطين عضوية غير كاملة في الأمم المتحدة، في مقابل الدخول في خريطة طريق تفاوضية تمتد إلى عام من الزمن، يتفق خلالها الفلسطينيون والإسرائيليون على نقاط الحدود والأمن، وتعلن في نهايتها الدولة الفلسطينية. وللتذكير أيضاً، فإن القيادة الفلسطينية رفضت اقتراح الدولة غير المكتملة العضوية، وقبلت الدخول في مفاوضات تمهيدية لثلاثة أشهر مع الطرف الإسرائيلي. مفاوضات أطلق عليها مسمى اللقاءات الاستكشافية، انتهت إلى لا شيء؛ إذ لم يتمكن الطرفان، رغم الأوراق والرؤى المقدمة، من الانتقال إلى الخطوة الثانية. وبالتالي عاد التلويح الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف، علّ السلطة تستطيع هذه المرة توفير الأصوات التسعة المطلوبة، وتُحرج الولايات المتحدة وتدفعها إلى الفيتو.
لكن المحاولة الجديدة سقطت في مهدها، وعدنا إلى «الدولة» الناقصة، التي كانت مرفوضة قبل عام من الآن. فالرئيس محمود عباس أعلنها صراحة في مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند، حين قال: «سنتوجه إلى الجمعية العامة لأننا للأسف لم نحصل على الأصوات اللازمة في مجلس الأمن». وأضاف أنه «إذا لم تنجح كل المساعي للعودة للمفاوضات، فبالتأكيد سنذهب للجمعية العامة لنحصل على ما يطلق عليه اسم دولة غير عضو، رغم أننا سنصادف عقبات كثيرة من أطراف مختلفة». وختم: «إن سويسرا والفاتيكان قاما بذلك»، رغم أن الحديث في مثل هذه الأمر كان بمثابة شتيمة في السابق.
أبو مازن لم يقف عند هذا الحد، بل زاد عليه خفض سقف شروط التفاوض أو التحاور مع السلطات الإسرائيلية، على اعتبار أن عبّاس فرّق بين الأمرين، من دون توضيح الفوارق. فبعد إشارته إلى أن «تجميد الاستيطان ليس شرطاً مسبقاً وإنما هو التزام ورد في أكثر من وثيقة دولية»، تابع: «إذا وافق نتنياهو على إطلاق سراح الأسرى والسماح باستيراد سلاح الشرطة، سنتحاور وليس معنى هذا أن نتفاوض».
ما الفارق بين الحوار والتفاوض؟ سؤال لم يجب عنه أبو مازن، الذي اتضح في ما بعد أن خطوط حواره مفتوحة مع الحكومة الإسرائيلية عبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات ومستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية، إسحق مولوخو. قناة حوار تؤكّد خيار أبو مازن الاستراتيجي القائم على المفاوضات ولا شيء غيرها. عباس لا يخشى المجاهرة بمثل هذا الخيار، وكل ما يقوم به من مناورات يصب في خانة العودة إلى الطاولة بانتظار توفير الحد الأدنى من شروط حفظ ماء الوجه. شيئاً فشيئاً، يسرب الرئيس الفلسطيني خفض سقف مطالبه تمهيداً للقفز مجدداً إلى اللعبة التفاوضية التي لا يملّ منها.
وبغض النظر عن مناورات عبّاس، فإن خلاصة واحدة تبدو جليّة للعيان، هي ضياع «حلم الدولة» الذي عيّشت السلطة ملايين الفلسطينيين عليه خلال العام الماضي قبل التوجه إلى الأمم المتحدة، واستمرت فيه بعد ذلك، إلى أن أعلن أبو مازن انتهاءه، والقبول بالحد الأدنى.