بنغازي | بعيداً عن القبلية والجهوية والعنف، قرّر المواطن الليبي مصيره، أمس، وهو على يقين تام أن جهوده لن تذهب سدى؛ فالبرلمان الذي يختاره بملء إرادته ستنبثق منه لجنة لكتابة دستور دائم للبلاد. وفي هذه الأثناء، ينتظر الليبيين الساعات المقبلة لإعلان النتائج وسط أجواء احتفالية رائعة؛ فالانتخابات التي هدّد البعض بمنعها ومقاطعتها مرّت بنجاح كبير، رغم السلاح المنتشر في الشارع الليبي. طوت ليبيا أمس صفحة مرحلة انتقالية أولى، لها ما لها وعليها ما عليها. ورأى العديد من المتابعين أنّها لم تنجح بالقدر المطلوب، فيما رفض البعض الآخر الحديث عنها، ونظر إلى البرلمان الليبي على أنّه الخطوة الأولى على طريق الديموقراطية الليبية. وفي الوقت الذي مرّت فيه الانتخابات بسلاسة في الغرب الليبي، شهدت بعض المناطق الشرقية توتراً لا يذكر مقارنة بحجم التحديات، وأقفلت بعض مراكز بنغازي أبوابها لساعات واستُؤنفت مجدداً، فيما سهر أهالي البريقة للإدلاء بأصواتهم حتى ساعات الفجر الأولى، بسبب وصول الحبر متأخراً إلى مراكز الاقتراع.
ورأى مراقبون أن العملية الانتخابية كانت ناجحة جداً. وقال الصحافي الليبي خالد المهير لـ«الأخبار» إنّ «العملية الانتخابية مرّت بنجاح، رغم توقعه حدوث مشاكل، وخصوصاً في الشرق، لكن الشعب أثبت أنه يريد الديموقراطية». وأضاف: «إنه حدث كبير، رغم مشاركة المجلس الانتقالي في إقصاء طرف سياسي كان يود المشاركة في الفرحة». وأعرب عن أمله أن «ينتبه المؤتمر المنتخب لهفوات المجلس حتى لا نتمنى لهم الرحيل مبكراً».
من جهته، أكّد المرشح المستقل، توفيق بن جميعة، أنّ «الفرحة قد غمرتنا، رغم جسامة التضحيات، ولأول مرة نشعر بأن ليبيا على الطريق الصحيح، وأنه بعيداً عن التوقعات أثبت الشعب الليبي أنه شعب محب للحياة عاشق للوطن لديه قابلية رائعة للتطوير والتطور السريع، وأكثر بكثير مما يتصور البعض بسبب تنوعه الديموغرافي الرائع». وتوقع أن «يدرك المواطن الليبي المرحلة وما يدور حوله»، معرباً عن ثقته «بحسن اختيار الشعب».
أما محمد حسين بعيو، المرشح عن حزب «الوطن»، فرأى أن «ما يهم هو النتائج النهائية»، مشيراً إلى أنهم كحزب، وبعد الانتهاء من الطعون، سيرفعون القبعة لمن اختاره الشعب، مؤكداً أنهم «حين قرروا الدخول إلى المعترك أصروا على ألا يتركوا الساحة لمستبد»، وأن «من يُكتب له العبور إلى المؤتمر، لا بد أن يمد يده لمن حوله من الصالحين»، مشيراً إلى أنه «بالرغم من التشويش، لكنها كانت لحظات حاسمة وعرساً انتخابياً».
من جانبها، رأت الناشطة الليبية غيداء التواتي أنّ «العملية الانتخابية كانت هادئة وسلسة ولم تشهد أي حالات اختراق أمني، وتوافد الليبيون على مراكز الاقتراع بهدوء». وأشارت إلى أن «نسبة النساء المقترعات كانت كبيرة جدا». مع ذلك لفتت إلى أن «أغلب الذين أدلوا بأصواتهم يوم أمس لم تكن لهم دراية واضحة ببرامج الأحزاب أو توجهاتهم. وللأسف استغل العديد هذه الفجوة، ما جعل المواطن الليبي يذهب إلى التصويت وهو يعتقد أن بعض هذه الشخصيات مرشحة فعلاً، فضلاً عن الدفع بعدد كبير من المستقلين، وهم في حقيقة الأمر ينتمون إلى أحزاب وتيارات». لكنها أضافت: «جل ما نتمناه هو حدوث توازن في مقاعد المؤتمر الوطني، وبهذا ستكون هناك تعددية سياسية تنتج منها قوانين وقارات متوازنة لمصلحة ليبيا».
وكان لأستاذة القانون في جامعة بنغازي، هناء القلال، رأي مغاير، فقالت إن هذه المرحلة «لم تتم بنجاح كما يستحق الوطن والتضحيات التي قُدّمت من الشعب الليبي». وأضافت: «كنا قادرين على أن ننجح وأن نحقق أكثر من هذه الخطوة الضعيفة نحو الديموقراطية. كانت هناك قوانين ضعيفة، رغم القوانين التي أعدّها الخبراء الوطنيون الجيدة والتي لم يأخذ بها المجلس الانتقالي. كذلك أصدر المجلس الكثير من القرارات التي ترتب عنها ضعف الاستعداد لهذه الانتخابات. وكما سيظهر لنا، سيكون في هذه الانتخابات الكثير من العيوب، إذ إنه حتى الآن لم تصل مواد الاقتراع إلى بعض المناطق. هذا إلى جانب ضعف المجلس والحكومة في احتواء الأزمات، وهو ما ترتب عنه ازدياد وتيرة الغضب، إضافة إلى ظهور حركات معارضة للظلم، الذي نجم عن القرارات الخاطئة والظالمة التي أثرت على العملية الانتخابية نوعاً ما».