غزة | استقبل آلاف الفلسطينيين، أمس، الأسير المحرّر محمود السرسك (25 عاماً)، صاحب أطول إضراب عن الطعام في معركة «الإمعاء الخاوية»، والتي وصلت الى أكثر من 96 يوماً، اعتراضاً على الاعتقال الإداري الذي تعتمده سلطات الاحتلال الإسرائيلية ضدّ الأسرى الفلسطينيين. عائلة السرسك، التي كادت تصل الى حالة من الاستسلام لهواجس فقدان ابنها وسماع نبأ استشهاده بين لحظة وأخرى في ظل تدهور حالته الصحية يوماً بعد يوم، كانت تنتظره، امس، على معبر بيت حانون «إيرز» الى جانب عدد من قيادات حركة الجهاد الإسلامي، التي ينتمي إليها محمود. لكن أمه «أم عبد العزيز» كانت تنتظره في خيمة الاعتصام بوسط غزة. وما إن وصل لاعب كرة القدم اليها حتى ارتمت في حضنه تقبله وترفع صوتها بالزغاريد. الفرحة لم تكن تسع قلبها برجوع ابنها الى حضنها بعدما حرمت منه لأكثر من ثلاث سنوات. قالت أم عبد العزيز ودموع الفرح في عينيها: «فرحتي لا توصف ولا يمكن تخيلها، فعودة الحياة لجسد ظن أنه مات لا يستطيع أحد التعبير عنها، وهذه حالنا نحن أمهات الأسرى، خاصة حين نحرم منهم لأعوام وأعوام». واضافت «ابني صمد وقاوم، حتى بعدما انهارت صحته ودخل مرحلة الخطر رفض ان يساوم او يتنازل عن حقه بالحرية لأن اعتقاله ظالم». وتابعت «منذ صغره كان حلمه أن يمثل فلسطين في ملاعب العالم، وتحقق له جزء من حلمه، وبينما كان يسير في طريق الاحتراف اعتقلوه وتعرض للتحقيق الجسدي والنفسي ومنع من الزيارات».
وشاركت النساء والدة السرسك فرحتها بتهنئتها والمباركة لها، واعتبرن أن الفرحة ليست خاصة بعائلته فقط وإنما هو عيد وعرس وطني للفلسطينيين جميعاً، وتتويج لنضالاته المستمرة بهذا الانتصار.
شقيقته الكبرى قالت، بدورها، «أثناء أسر محمود كل يوم كنا نموت ألف مرة خوفاً على صحته التي كانت تتدهور يوما بعد يوم بسبب همجية الاحتلال الإسرائيلي داخل السجون وسوء المعاملة التي يعاني منها الاسرى، فكنا نتابع على مدار الساعة ملف الاسرى، وخاصة قضية أخي الأسير الذي كنا ننتظر الاعلان عن نبأ استشهاده في كل لحظة». ووصفت شعورها بخروج شقيقها من الأسر بأنه «لا يوصف»، مضيفة «أجمل أيام حياتي هو الافراج عن محمود. كنا في عذاب. واليوم انتصرنا وانتصر العالم كله. هذه فرحة لكل الرياضيين في العالم»، مؤكدةً أن «الرياضيين مكانهم في الملاعب لا في السجون كما تفعل اسرائيل بلاعبينا».
ونقل السرسك بعد تحريره إلى مجمع الشفاء الطبي لإجراء فحوصات طبية للاطمئنان إلى وضعه الصحي، ومحاولة تقديم العلاج له في حال استمرار تدهور حالته الصحية، حيث تجمع مئات المواطنين لتهنئته بالإفراج عنه. وقد بدا بصحة جيدة ومعنويات عالية وهو يصافح المواطنين ويرمي لهم كرة القدم، التي أتى البعض بها اليه تعبيراً عن التضامن معه ومحبته، كون السرسك لاعب كرة قدم في المنتخب الفلسطيني.
وقال السرسك إن «الافراج عني انتصار للأسرى القابعين في سجون الاحتلال لنيل حريتهم خاصة ممن يضربون عن الطعام». وشكر كل من وقف الى جانبه والى جانب الأسرى المضربين عن الطعام من قادة ومسؤولين وذوي الأسرى وكافة أبناء الشعب الفلسطيني. وأضاف «أحيي الأسرى المتبقين في السجون، ولا تزال أوضاعهم صعبة داخل الزنازين وبحاجة للمناصرة والتأييد وتكثيف الجهود من أجل نصرهم».
من جهته، أكّد مدير الإعلام في وزارة الرياضة أحمد محيسن لـ«الأخبار» أن «اسرائيل قصفت العديد من المنشآت الرياضية والأندية والملاعب، وحولت العديد من الملاعب في القدس المحتلة الى مكبات للنفايات، وأغلقت مراكز رياضية في الضفة الغربية، وهي مستمرة في ملاحقة الرياضين ومنع اللاعبين من السفر من غزّة الى الضفة الغربية والقدس». ويعدّ السرسك أحد أبرز لاعبي كرة القدم في غزة وفي المنتخب الوطني. اعتقل في 22 تموز 2009 على معبر بيت حانون، حيث كان ينوي الذهاب إلى الضفة الغربية للالتحاق بنادي شباب بلاطة الرياضي للاحتراف في صفوفه كلاعب كرة قدم على المستوى العربي والدولي. وفور اعتقاله، نقل إلى مركز تحقيق عسقلان المعروف بقسوة أساليب محققيه، واستمر التحقيق معه لمدة 30 يوماً متتالية، خضع خلالها لجولات تحقيق مكثفة تركزت حول انتمائه لحركة الجهاد الإسلامي من دون أن تقرن هذه الاتهامات بأية دلائل.
ولجأ جهاز الاستخبارات الإسرائيلية إلى إصدار أمر اعتقال بحق السرسك بموجب قانون «المقاتل غير الشرعي» الذي يعد شكلا من أشكال الاعتقالات الإدارية التي تجيز اعتقال الشخص دون تهمة أو محاكمة ودون تحديد مدة الاعتقال، وصدر عن جهة تنفيذية لا تتمتع بصفة قانونية. ومع استمرار الاحتلال بتمديد أسره، لجأ إلى خوض الإضراب المفتوح عن الطعام أسوة برفاقه، وهو ما دعا الإدارة الى معاقبته ونقله من سجن النقب الصحراوي إلى العزل الانفرادي، حيث بدأت حالته الصحية بالتدهور يوماً بعد يوم.